مصر تودّع ثورة 25 يناير والشعب يخفق

تعيش مصر في حالة عودة منظمة وتوقيت عكسي إلى مايسمى دولة العسكر أو تلك الدولة العميقة التي كان الكل يخشاها ويحذّر منها يوماً ما. فمن المحزن أننا نرى مشاهد الثورة المصرية تتحول إلى مشاهد دم وإعتقال وملاحقة وتعذيب وإرهاب في كل ماتحمله الكلمة من معنى تجاه فصائل تلتزم في إستكمال النضال السلمي لهدم بقايا الآفات التي كانت تلازم الدولة منذ عقود. ومن المدهش كيف تعود بعض كل التضحيات مقومات الدولة البوليسية إلى موقعها الغير شرعي أمام ناظري من كانوا يوماً في التحرير. 
لاشك أن ما بُني على باطل فهو باطل, وتبعاته وقراراته باطلة وآثاره وماترتب عليها وخيمة, لذلك فإننا مازلنا نرفض ذلك الإنقلاب الدموي الذي قام به وزير دفاع حكومة الدكتور هشام قنديل ولايمكن لنا أن نبرره ولو مع مرور الوقت خاصة أن عواقب هذا الإنقلاب الذي برره وزير الدفاع آنذاك بحقناً للدماء كانت وخيمة ومؤلمة في دمويتها, إذ كانت تمُر الخطة أو ماسُميت ب " خارطة الطريق" على أشلاء المدنيين السلميين في هجوم إستنكرته المنظمات الحقوقية والإنسانية ورفضته دول الثورات العربية ولم تعترف به حتى الآن أغلب الدول في العالم. 
نعم إن هذا الجيش المصري كغيره من الجيوش العربية التي تقبع خلف المتاريس الممتلئة أرضها بأعقاب السجائر التي تشبه رصاصات فارغة بعد معركة طويلة ضد العدو و حيث يتسامر جنودها الأحاديث المملة, لم تطلق رصاصة واحدة على الأعداء واستبدلت مهامها بإطلاق الرصاص على شعوبها, تلك الجيوش إنتقمت لجُبنها وضعفها من الشعوب في ممارسة الإرهاب عينه ضد الثائرين الأحرار. 
مصر تعيش أياماً حزينة وهي تودع خيرة أبناءها من الثائرين المثقفين والعلماء والمناضلين وتتألم على من بقي حياًّ تلاحقهم رجالات العسكر وتزجهم في سجون أًسّست للمجرمين والفاسدين والقتلة. ثائرون لأجل مصر وإستقلالها ولأجل المضي نحو تحقيق أهدافهم التي رسموها يوم 25 يناير, هذه الثورة التي هاجمها أنصار العسكر بفبركة الحقائق وطمس الإنجازات والإستهزاء برجالها في إعلامهم ومقراتهم منذ أول يوم من أيام الديمقراطية عاشته مصر لأول مرة في تاريخها. 
عودة الدولة البوليسيية في مصر هي ببساطة عودة مصر إلى ماكانت عليه من ضعف وفساد وبطالة وفقر وإنهيار حلم الدولة المدنية وكلمة الشعب تماماً كما أرادتها الدول العربية التي سارعت بدعم الإنقلاب والإعتراف به, لأنها تعلم تماماً موقع مصر ومدى تأثيرها وقوتها في حال إستعادت هيبتها وعافيتها, لقد كانت تلك الدول مصممة من أول يوم تولى فيه الرئيس محمد مرسي رئاسة مصر على عرقلة التقدم الديمقراطي ولم تنفك عن التحريض والوعيد ودعم المال ( الرشوة) للقطاع الأمني والإعلامي والشعبوي لإسقاط مشروع النهضة الذي إتضحت معالمه في أواخر السنة الأولى قبل إختطافه. وقد لعب الإعلام "الساويرسي" دوراً أساسياً في حض أنصار العسكر على التمرد والتعدي والتجمهر واستخدم في مهمته التحريضية أدوات التلفيق والفبركة لإشاعة الفتن وبث الحقد والكره والتحريض على القتل واعتمد على سياسة الإقصاء والإستهزاء لشق الشعب المصري إلى فصائل, حتى حصل الإنقلاب فتبعه غلق منابر الإعلام والصحافة فاختطاف فاعتقال ومن ثم قتل بدم بارد وتعذيب وملاحقة مثقفي الدولة ورموزها وخيرة شبابها. 
قد نلوم أصحاب العقول الضيقة والقلوب الضعيفة من المصريين الذين أعمت ضمائرهم النقود والمناصب ثمناً لبيع ثورة مصر بالرخيص ونلوم كل من نال منه الإعلام العنصري الفاسد الذي ماانكف وهو يبارك الدم وينتشي رائحته ويطلب المزيد, لكننا نتهم تلك الدول المحرضة ضد الشرعية و الداعمة للإنقلاب الذي أدرك آلاف من القتلى والجرحى في أقل من شهرين, تلك الدول التي رفضت أصلاً منطق حرية الشعب في بلادها وهي تمارس ضد شعبها أنواع الإستعباد والتبعية والتطرف. 
الإخوان المسلمون يعيشون حلقة من مسلسل دامٍ لأكثر من 80 سنة, فلا هي المرة الأولى التي يُعزلون فيها أو تقبع قياداتهم في السجون ولا هي المرة الأولى التي يصدر ضدهم أحكاماً بالمؤبد والإعدام بعد تلفيق التهم في حقهم أو يمارس العسكر وأمن الدولة البوليسية الترهيب والإعتداء والملاحقة ومع ذلك فإن لاأحد نجح أو سينجح في تهميشهم أو التخلص من فكرهم أو إنكار شعبيتهم التي تتزايد في كل حملة شرسة في حقهم مهما حاولوا تصويرهم بأبشع الصور وأسخفها والتي كان آخرها كلمة أو وصف "الإرهاب" التي أعاد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن تعريفها في قاموسه الجديد ضد كل من يدافع عن نفسه وعن أرضه وعن دينه , ضد من يطالب بحقه ويدعو للعدل ويرفض التبعية وإرهاب الدوله, هي الان تستخدمها الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية والدموية والبوليسية ضد كل من يقف في وجهها. فلا ضير بسلطة الإنقلاب أن تتهم خيرة الشعب المصري بالإرهابي, كذلك الأسد الذي إعتبر شعبه بالإرهابي وقبله القذافي وصالح وبن علي وسلطة العراق ونظام الجزائر وغيرها من دول العالم. وحديثاً سمعنا بعضهم ينعت شعبه بالجرذان والحشرات والديناصورات والمهلوسين والمخدرين وعجبي!!. 
أعداء الإتجاهات الإسلامية حكمونا قرون ولم نجد منهم غير الهزائم والخيانة والإنقلابات وتفشي الفساد واتفاقيات استسلام وحراسة العدو وكبت الحريات والتطرف وإقصاء وإلغاء وطائفية وفتنة. وبكل وقاحة مازالت تلك الأنظمة تتغنى بالوطنية والقومية والمقاومة والحرية والشفافية والنزاهة والديمقراطية والإستقلالية وياعجبي !!! . 
على أي حال, فإن الرئيس المصري محمد مرسي لم يكمل فترة رئاسته حتى اللحظة كي نُقيّم أدائه داخلياً وخارجياً ومازال مختطفاً في مكان مجهول يتناوب العسكر في تلفيق تُهم ضده. وإن ما روجّه الإعلام المُرتشي من تضليل وأكاذيب وخزعبلات قبل إختطاف الرئيس مرسي ضده وضد حكمه يقوم به حكم العسكر وإعلامه تماماً بوحشية أكبر وحقيقة واضحة, فحلال على كل عمل كثيرٍ قام به البلطجية أصبح حراماً قليله على أهل عدوية. 
من يمارس الإرهاب هو من يقتُل ويتوعد ويفوّض نفسه على ذلك ويحرّض المواطنين على الإقتتال. مصر تعود إلى أسوأ زمنٍ مر على تاريخها. مصر تودّع ثورة 25 يناير وتعود إلى حكم العسكر وزمن أمن الدولة والمخابرات الذي عانى منه الشعب المصري لعقود ولم تشهد مصر في حكمهم إلّا الفقر والجوع وهروب مثقفيها وعلماءها ومعتدليها إلى الخارج. مصر ومع إخلاء سبيل الرئيس الأسبق حسني مبارك وأولاده وحاشيته وكل المتهمين بقتل المصريين وزج طالبي الحرية والعدالة إلى السجن تكون سجلّت أول إخفاق وسقوط للشعب المصري في إختبار الديمقراطية والحرية والعدالة.