حتى لا تكرر السعودية مع الاردن خديعتها للعراق
وائل عقد الثمانينات من القرن الماضي، امكن للدهاء السعودي توريط العراق في حرب ضروس ضد ايران اتت على اليابس والاخضر في كلا البلدين الجارين المسلمين، واستغرقت ثماني سنوات عجاف وكانت مثقلة بالدم والويل والدمار. يومذاك لم تكن ثورة الامام الخميني تهدد العراق بالدرجة الاساس، بل شكلت تهديداً مباشراً لحكام القرون الوسطى في السعودية وباقي المشيخات الخليجية الذين كانوا في عُهدة شاه ايران المخلوع وقيد حمايته ورهن اشارته
ورغم ان الجيش العراقي قد خرج من تلك الحرب منتصراً ومرفوع الرأس، الا ان موازنة الدولة العراقية كانت قد افلست وشارفت على الانهيار، وهو ما ادى بالنتيجة - ودون الدخول في التفاصيل - الى نشوب ازمة حادة في العلاقات العراقية - الكويتية، ومن ثم اجتياح الكويت والخروج منها، ووقوع العراق في قبضة حصار دولي خانق انتهى - آخر الامر - بضربه واحتلاله واسقاط نظامه واعدام رئيسه الشهيد صدام حسين. لم يهبّ حكام السعودية الذين شجعوا العراق على محاربة ايران نيابة عنهم وحماية لعروشهم، لنصرته ورد الجميل له حين تعرض للعدوان الثلاثيني اوائل عام 1991، بل كانوا اساس البلاء ومصدر العدوان بعدما فتحوا 'حفر الباطن' وباقي الاراضي السعودية لاستقبال الجحافل الامريكية والعربية والدولية التي توافدت من كل حدب وصوب، لضرب العراق 'وتحرير' الكويت
ولم يهب هؤلاء الحكام الانذال لاقناع صديقهم الحميم بوش الابن باجتناب احتلال العراق، ولو لغرض حفظ بعض التوازن الاستراتيجي الخليجي مع ايران، بل مارسوا اشد انواع التحريض ضد العراق وقائده، وكان الامير بندر ما غيره، سفير السعودية المدلل لدى واشنطن يومذاك، قد اطلع على موعد الهجوم الغادر على عاصمة الرشيد قبل وزير الخارجية الامريكي كولن باول. حتى عندما وقع نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي قرار الحكم الجائر باعدام الرئيس صدام، لم يكلف هؤلاء الحكام الغادرون خاطرهم بالطلب من صديقهم بوش الذي كان يحتل العراق، وقف تنفيذ هذا الحكم، والابقاء بالتالي علىٌّ حياة الرئيس العراقي داخل بلاده او خارجها، ولو لاسباب انسانية، او اعتبارات مذهبية، او حسابات عربية - ايرانية
باختصار.. لقد اكلوه لحماً وانكروه عظماً، وكافأوه على جميله بـ 'جزاء سنمار' وغسلوا ايديهم من دمه بسرعة البرق ودون ان يرف لهم جفن، او تحركهم بقية من نخوة واخاء ووفاء، او يأخذوا بعين الاعتبار ان المالكي الذي امر بتنفيذ جريمة الاعدام مجرد بيدق في لعبة الشطرنج الايرانية، وفق ما زعموا فيما بعد. لسنا في هذا المقال بصدد نبش دفاتر التاريخ القريب، او تقليب المواجع العربية - الايرانية التي فات اوانها ومضى زمانها، وانما غايتنا من هذا الاستذكار هي تقديم الموعظة لكل من يريد ان يتعظ، وسوق العبرة لكل من يريد ان يعتبر.. فالعاقل من اتعظ بغيره واستفاد من دروس التاريخ وحقائقه واستخلاصاته
هذا الاوان يحاول حكام السعودية تكرار لعبتهم القديمة مع العراق، واعادة انتاج المأساة التي ورطوه فيها ليخوض المعركة نيابة عنهم ضد ايران، ولكن مع تغير الظروف والاطراف، فلو دققنا النظر لوجدنا ان هؤلاء الحكام الاشرار يحاولون جهد طاقتهم واموالهم زج الاردن في اتون حرب ضارية مع الشقيقة السورية، وتوريطه في صراع دامٍ لا ناقة له فيه ولا جمل، وانتهاز ازمته المالية والاقتصادية لحمله، لقاء بعض المعونات، على التدخل العسكري المباشر في المحرقة السورية الملتهبة
يوماً بعد يوم تزداد الاغراءات والاملاءات والضغوط السعودية على الاردن لكي يلعب حالياً مع سوريا دور العراق بالامس مع ايران، ولكي يقحم جيشه الذي ما زال قوياً ومتماسكاً في تضاريس الجنوب السوري المحاذي للاردن، توطئة لانشاء منطقة عازلة في محافظة درعا وريف دمشق، وتنصيب العميل السعودي احمد الجربا امبراطوراً عليها، بصرف النظر عما يمكن ان يلحق بجيشنا من اخطار واضرار، وما يتكبده وطننا ومواطننا من ضحايا وخسائر واحزان. نعرف ان الاردن قد انصاع غير مرة لاوامر السعودية وامريكا واوروبا بادخال السلاح للمتمردين السوريين، وتدريب الآلاف منهم في المراكز العسكرية المختصة، وتقديم سيل من المعلومات الامنية والاستخبارية الى اعداء سوريا، غير ان كل هذا الجهد اللوجستي لم يعد في نظر السعودية كافياً، فالمطلوب اليوم هو التدخل العسكري الاردني المباشر في الجحيم السوري، الى جانب ما يسمى 'الجيش الحر'، ولخدمة اهداف الامير بندر واسياده في لندن وواشنطن وتل ابيب
طيب، اذا كان القلب السعودي يتفطر الماً على الشعب السوري، ويتصبب هياماً بالجيش الحر، لماذا لا يدفع حكام الرياض بجيشهم المغوار 'لتحرير' درعا، و'تطهير' ريف دمشق، وتخليص الشعب السوري من 'نظامه المستبد' ؟؟ لماذا يريدون انتداب الجيش الاردني لمقاتلة الجيش السوري الشقيق، بينما ينام جيشهم قرير العين والاذن والامعاء الغليظة ؟؟ لماذا يريدون التعامل مع جيشنا كما لو انه قوة ارتزاق مجوقلة غب الطلب، شأن عصابات النصرة والفتح والتوحيد والجيش الحر التي يتم استيرادها من وراء الحدود ؟؟ عموماً، لقد ادمنت مملكة آل سعود استثمار مآسي الآخرين، وبنت 'امجادها' على اطلال الدول والكيانات الاخرى، مثل مملكة الهاشميين في الحجاز، وامارة آل الرشيد في حائل، ناهيك عن تصديها بكل اسلحة الحقد والدهاء لمشروع جمال عبدالناصر وباقي المشاريع القومية النهضوية، ثم مساهمتها في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفياتي عبر استنزاف جيشه على ايدي 'مجاهدي القاعدة' في افغانستان
واذا كان بيننا في الاردن من يفكر - مجرد تفكير - في التجاوب مع الرغبة السعودية الشيطانية في زج الجيش لمواجهة شقيقه السوري، فهو آثم القلب والعقل، ومعدوم الضمير الوطني والقومي، وفاشل جداً في الحساب السياسي والعسكري والاستراتيجي، وشديد الجهل والغباء في استذكار وقائع التاريخ القريب واستيعاب دروسه التي علمتنا، بملموس التجربة العراقية، ان حكام السعودية يدفعون الآخرين الى التهلكة، ثم لا يلبثون ان ينفضوا ايديهم منهم قبل صياح الديك
وسواء اقدم اوباما، بعد استطلاع رأي الكونغرس، على ضرب سوريا او احجم، وسواء كانت الضربة محدودة او استجرّت عواقب وخيمة وتداعيات خطيرة، فالحذر الحذر من مكائد ومصائد ومقالب 'ارطبون' المخابرات السعودية الامير بندر، لانه يريد دس السم لنا في الدسم، وتحميلنا فوق طاقتنا، وتوريط جيشنا فيما تتهيبه وتتجنبه القوات التركية والامريكية والاوروبية على مدى اكثر من عامين. قد لا يعلم الكثيرون ان اعادة احياء الامير بندر مؤخراً، قد تمت باوامر امريكية مباشرة الى خادم الحرمين الذي كان يضع هذا الامير الحقير قيد الاقامة الجبرية لاسباب لا لزوم لذكرها الآن.. فقد نثرت واشنطن كنانتها الامنية، وعجمت عيدانها النجسة، فوجدت ان 'الارطبون' بندر هو الاجدر بخلافة زميله الراحل اللواء عمر سليمان، ارطبون المخابرات المصرية، وان هذا البندر هو الاقدر على استكمال دوره الاستخباري القذر على الصعيد العربي باسره، وليس المصري او السعودي وحده