دموع أردوغان


بينما كان الرسول الإنسان عليه الصلاة والسلام يُداعب ويُلاعب ويُقبّل ولديه الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وعن أمهما فاطمة الزهراء وأبيهما علي بن أبي طالب ، دخل عليه أعرابي ، فقال الأعرابي مستغربا : أتُقبّلون أبناءكم ؟ واللهِ إنَّ لي كذا من الولد لم اُقبّل منهم أحدا . فقال عليه الصلاة والسلام ، معلم الناس الخير ، وماذا أفعل لكَ إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك ؟؟
هناك صفات بشرية إنسانية ( الأصل ) أنّه يشترك فيها جميع بني البشر وانْ بنسبٍ متفاوتة ، وبها يكون الإنسان إنسانا ، وتتجلى عظمته وأفضل ما فيه من خصائص وصفات وتعبّر عن أجمل ما فيه وتظهره على حقيقته دون رتوش ، ومتجرداً من ضغط المنصب ورداء الأعراف . وحتى الكائنات الأخرى غير البشر لا تخلو من هذه المشاعر ، وبالتّأكيد فانّ المتعامل معها والمراقب لها يعلم عن ذلك الكثير .
لذلك لم يكن مستغرباً أن يشعر أردوغان الحاكم الإنسان والأب الشفوق باللوعة والحزن وتدمع عيناه وهو يستمع لرسالة البلتاجي الأب والتي يرثي فيها ابنته ذات السبعة عشر ربيعا ، يناجيها ويحادثها الحديث الأخير ، أب لم يتمكن من وداع ابنته الوداع الأخير أو الصلاة عليها ، ويستذكر في رسالته عتابا رقيقا من ابنةٍ لأبيها بأنّ انشغاله في الشّأن العام لم يُتح لها أن تجلس إليه ومعه الوقت الكافي وأنها لم تتمكن من الارتواء منه . كم هو مؤلم على الأب الإنسان أن يشعر وهو يودع ابنته الوداع الأخير بأنه كان مقصرا معها في جانبٍ ما . ( الارتواء ) آه ، ومن قال يا ابنتي أنني أيضا شعرتُ بالارتواء منك . فيبكي أردوغان ويبكي معه كل أب بل كل إنسان .
إلا أنّ هناك نماذج من البشر ، تجردوا من إنسانيتهم ، فالإنسانية ليست ردءاً نستدعيه وقتما نشاء وعند الحاجة وننزعه في حالات . والدموع لا تنزل أو تتوقف بكبسة زر أو بأمر . هؤلاء لا يختلفون عن ذلك الأعرابي المذكور آنفا ، قد نُزعت الرحمة من قلوبهم ، فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة .
فالإعلامي الذي يُحرّض و يشجّع ويبرر ويشمت ويقلب الحقائق ، وأصحاب عمائم ولحى ومن اتخذوا من الدين وظهراً وجعلوه مصدرا للاسترزاق والشهرة ، يُفتون حسب الطلب ويُطوّعون النصوص للأهواء ، وسياسيون فاشلون متناقضون يدّعون أنهم مدنيون ومع الحرية وحقوق الإنسان وفي نفس الوقت يدعمون القتل والاعتداء على الحريات العامة والخاصة ، وأصحاب رؤوس أموال أثروْا على حساب الشعب وسرقته موّلوا وشجعوا ، هؤلاء لا يختلفون عن ذلك الأعرابي الذي نُزعت الرحمة من قلبه .
في الإنسان مجموعة من المشاعر والعواطف والانفعالات كالحب والكرة والفرح والحزن والألم والضحك والبكاء . فالذي لا يشعر بالفرح عند تقديم خدمة إنسانية لمريض أو أرملة أو كبير أو يتيم ، أو لا يتألم بل ولا تدمع عيناه لرؤية مريض يتألم لا يملك ثمن العلاج والدواء أو أرملة تشكو البلاء والغلاء أو يتيم يبكي تخلَي الناس وغدْر الزمان ، فلا يتأثر ، والذي يتمكن من النوم بهدوء وبرود أعصاب بعد أن ظلم وسرق وقتل ، ومن استهزأ بدموع أردوغان الأب والإنسان فذلك لا قلب له فليبحث له عن قلب .