استقلالية هيئة مكافحة الفساد مبررات ودواعي


رمزي نزهة 

عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد


تعد الاستقلالية احد اهم اركان وعناصر نجاح عمل هيئات مكافحة الفساد، لانها توفر الطمأنينة الحقيقية لقيامها بواجباتها وانجاز مهامها الموكولة اليها، فالاستقلالية صمام الامان الذي يحول دون تسيس القضايا والابتعاد عن الانتقائية في الملاحقة، فالقرار الحر لا يمكن ان يصدر الا عن سلطة مستقلة. ولا يكفي التاكيد على استقلالية الهيئة بالخطابات الانشائية انما لا بد من القيام بخطوات عملية تؤكد الاستقلال المؤسسي للهيئة والاستقلال الفردي للعاملين فيها، فلا بد من توفير الاستقلالية للهيئة كمؤسسة، من خلال توفير الاستقلال المالي والاداري، وان تكون هذه الاستقلالية تامة وحقيقية، لا تحتمل التاثير عليها من الغير،
كما لا بد ان يتمتع كافة المحققين العاملين في الهيئة في حالة ذهنية تؤكد استقلاليتهم وابتعادهم عن اي نفوذ او تأثير قد يمارس عليهم من اي جهة كانت، ويقع على الدولة اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحررهم من اي تدخل خارجي ليتمكنوا من القيام بالتحقيقات المطلوبة، نظراً لاهمية التحقيقات الاولية في النتائج التي تتوصل اليها الاحكام القضائية.

اما عن المطالبة باستقلالية الهيئة، فأود ان ابين ان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أكد في رسالة ملكية وجهها الى الحكومة خلال شهر حزيران من العام 2005 طلب بموجبها اعداد قانون هيئة مكافحة الفساد، حيث جاء فيها (تعزيزا لرؤيتنا وتطلعاتنا في بناء الاردن النموذج الذي يشارك جميع ابنائه وبناته في صياغة مستقبله، وانسجاما مع طموحاتنا في تعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة لترقى الى ثقة شعوب العالم المتقدمة بمؤسساتهم فاننا نعهد اليكم بانشاء هيئة مستقلة تضطلع بالتنسيق مع الجهات المعنية وتنفيذ استراتيجية عامة لمكافحة الفساد والوقاية منه بشكل مؤسسي وبما يكشف عن موطن الفساد والتحري عن جميع القضايا المرتبطة، بما في ذلك الفساد المالي والاداري والعمل على مباشرة التحقيقات اللازمة بخصوصه وجمع الادلة والمعلومات المرتبطة به، اننا نرنو الى هيئة مسؤولة عن ملاحقة كل ما يسعى للفساد والإفساد او ينخرط في منزلقاته، مثلما نرنو ايضا الى القيام بجهود تضمن تجفيف مواطن الفساد واغلاق نوافذه، واذ نطمح الى انشاء هذه الهيئة التي ستعزز جهودنا في مجال الاصلاح والتحديث وتطوير مؤسسات الدولة لا سيما في الادارة والقضاء، واذ نؤكد على استقلالية هذه الهيئة وضمان عملها بعيدا عن اي تأثير او تدخلات من اي جهة كانت). وقد جاء ذلك التوجيه السامي انسجاما مع احكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 والمصادق عليها بموجب " قانون تصديق اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد" رقم (28) لسنة 2004 والتي نصت في المادة (36) منها على ان تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الاساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة او هيئات متخصصة او اشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال انفاذ القانون. وتمنح تلك الهيئة او



الهيئات او هؤلاء الاشخاص ما يلزم من الاستقلالية، وفقا للمبادئ الاساسية للنظام القانوني للدولة الطرف، لكي يستطيعوا اداء وظائفهم بفعالية ودون أي تأثير لا مسوغ له. وينبغي تزويد هؤلاء الاشخاص او موظفي تلك الهيئة او الهيئات بما يلزم من التدريب والموارد المالية لاداء مهامهم، كما استلزمت المادة (6/2) على تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الاساسية لنظامها القانوني، بمنح الهيئة او الهيئات ما يلزم من الاستقلالية، لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له، مع توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين، وكذلك ما قد يحتاج اليه هؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم.
وعلى مستوى التشريعات الوطنية، فقد نصت المادة (3/ب) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 على تمتع الهيئة في ممارستها لمهامها واعمالها بالاستقلالية والحرية دون تأثير او تدخل من أي جهة كانت. وقد اكدت هذه الاستقلالية ما جاء في المادة (23) من نفس القانون التي اوجبت على مجلس الوزراء اصدار انظمة خاصة تعنى بشؤون الموظفين والمستخدمين في الهيئة. وقد اكد المشرع من خلال النصوص المشار اليها باعلاه على اهمية منح الاستقلالية للهيئة، ايماناً منه بخصوصية عمل الهيئة واهمية انتقاء موظفيها وتحديد شروط توليهم لوظائف الهيئة ومتطلبات اشغالها، وتوفير ظروف عمل وتدريب وتأهيل خاصة بهم تتناسب وطبيعة الاعمال الملقاة على عاتقهم، وبما يضمن عدم التأثير عليهم او التدخل في شؤونهم.
الا ان شمول الهيئة بمشروع الهيكلة والحد من صلاحيات مجلسها في ادارة شؤونه الداخلية وتحديد الهيكل التنظيمي الخاص به، واقرار جدول تشكيلات الوظائف وغيره من الامور الخاصة بالقوى البشرية العاملة في الهيئة، والابقاء على صلاحيات مجلس الوزراء في تحديد حقوق وامتيازات رئيس واعضاء مجلس هيئة مكافحة الفساد يعد احد عوامل التأثير عليها، وان استثناء هيئة مكافحة الفساد من اعادة الهيكلة، واجراء التعديل المناسب على آلية انتقاء وتعيين رئيس واعضاء مجلسها، والغاء النصوص القانونية التي تربط الهيئة برئيس الوزراء، ومنحها الاستقلال المالي، سيساهم في توفير الاستقلالية المطلوبة للهيئة، اسوة بالضمانات الممنوحة للهيئة المستقلة للانتخابات وللمحكمة الدستورية.