تراجع الحراك الشعبي: أسباب ذاتية وإقليمية

اخبار البلد - بعد أن كانت مجرد تخمينات وترجيحات، باتت قضية تراجع الحراك الشعبي حقيقة واضحة للعيان، بحسب مراقبين سياسيين ومحللين وحراكيين، عزوا أسباب هذا التراجع لعوامل مختلفة.

وبرزت حقيقة غياب الحراك الشعبي وتراجعه في الشارع بشكل واضح بعد أن مرت قضايا اقتصادية وسياسية أردنية ملحة "مرورا عابرا" في الشارع، على الرغم من بعض الحركات الاحتجاجية التي وصفت بـ"الضعيفة".

فمن رفع تسعيرة الكهرباء، إلى الإعلان عن "البطاقة الذكية" لشراء الخبز، فضلا عن توقيف خمسة من نشطاء الحراك الشبابي الإسلامي، مرت جميعها بـ"سلام" على الرغم من أنها كانت، وبحسب مراقبين، "تستحق تحركا حراكيا احتجاجيا على الأرض" لكن شيئا من ذلك لم يحدث.

ومن أبرز عوامل تراجع الاحتجاجات، بحسب رأي أولئك المراقبين، هو الانقسام أو الشرخ القائم بين القوى السياسية، التي تركها تباين المواقف تجاه الأزمتين السورية والمصرية. فضلا عن غياب الإطار التنظيمي، ونمطية الشعارات في الحراك الشعبي.
ويتحدث مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى الشتيوي حول العوامل التي أثرت على تراجع الحراك الشعبي، فيقول إن شعارات الحراك الأردني كانت في معظمها مطلبية، وأهمها مكافحة الفساد وإصلاح سياسات الحكومات، تلتها "استجابة من قبل الدولة لجزء كبير من هذه المطالب، بحيث نزعت الدسم عن هذه الشعارات".
كما يرى شتيوي أن عاملا آخر يقف وراء التراجع "الحراكي"، يتمثل بغياب الإطار الفكري والتنظيمي الذي يسهم في استمرارية الحراك، وكذلك عدم توافق مطالب الإخوان المسلمين، جميعها، مع الحراك، حيث "انفردوا بمطالب أجندتهم الخاصة".
وتابع: "ولا أستثني الوضع الإقليمي في المنطقة أيضا واعتباره أحد مسببات تراجع الحراك، على الرغم من صعوبة قياس تأثر الحراك الأردني به، لكن بلا شك أن المواطن أصبح ينظر إلى الأحداث التي تدور في المنطقة بكونها تحمل في طياتها عواقب سلبية ضارة بالمصلحة الوطنية".
ويتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور مهند مبيضين، الذي يرى أن من أسباب تراجع الحراك الأردني الظروف العربية المستجدة التي أثرت على الربيع العربي سلبيا، ولم يعد هناك تعويل كبير، محليا، على نتائج هذا الربيع.
ويضيف مبيضين أن الحراك الشعبي الأردني "لم يكن إلا تقليدا للنماذج في الدول العربية التي طالها الربيع العربي، وكان من الأولى أن تكون هناك قوى دافعة تستمر في تغذية هذا الحراك، لأنه لا توجد أحزاب راسخة ومكونات مصلحية وطنية، بل أصبحت المعركة سياسية داخلية تنشغل في تحقيق مكاسب خاصة".
ويستشهد مبيضين بحراك المعلمين الذي هدف إلى تشكيل نقابة له، كذلك الحال بالنسبة لحراك المتقاعدين العسكريين، ذاهبا إلى أن الدولة قدمت حوافز للحراك ومنحته مكاسب، سواء كانت إصلاحية أم تتعلق بمحاربة الفساد.
كما يعزو مبيضين أسباب تراجع الحراك إلى ما يسميه "مركزية يوم الجمعة في النماذج العربية مقابل عدم قدرة الإخوان المسلمين على الحشد الكبير على غرار ما حدث في أكثر من مسيرة في الأردن".
أما رئيس لجنة الإصلاح في جماعة الإخوان المسلمين سالم الفلاحات، فيرى  أن الأحداث في مصر وسورية "حجزت لها مكانا في الشارع الأردني، الأمر الذي أثر على حراكه".
ويضيف الفلاحات أن مضي أكثر من ثلاثة أعوام على مطالب الحراك التي "لم تتم الاستجابة لها أرهقت الأردنيين، وهو أمر مخيف للمواطن أكثر من الحراك نفسه، وذلك لتراجع الصوت الذي يدافع عن مطالبه".
لكن، وبحسب الفلاحات، فإن "مسببات ودوافع انطلاق الحراك ما تزال موجودة، حيث لم يتم تحقيق مطالبه بعد، وهناك معتقلون من الحراك الشبابي الإسلامي يدفعون ثمن ذلك، كما ان استمرار الإضرابات العمالية يشير الى ذلك".
ويقول: "إذا ظن البعض أنه ليست هناك ملاحقات للفساد فهم واهمون، لأن الناس تكتنز غضبها، وإذا استمر هذا النهج فستكون العواقب خطيرة".
فيما يعزو أمين عام الحزب الشيوعي منير حمارنة أسباب تراجع الحراك الشعبي الأردني إلى "نمطية الشعارات التي يرفعها، وغياب القضايا المهمة فيها، مثل غلاء المعيشة والبطالة، فضلا عن القضايا التي تمس هموم الناس".
ويضيف حمارنة: "الحراك تراجع لكن لم يمت"، مرجحا أنه من الآن فصاعدا "سيلتفت الحراك إلى تراجعه ويطالب بالقضايا المطلبية التي تمس الشارع، وأهمها الإصلاحات الاقتصادية".
وبحسب وجهة نظر المنسق العام للتيار القومي التقدمي المهندس خالد رمضان، "فمن الضروري أن يتم الأخذ بعين الاعتبار صعوبة أن يستمر الحراك الأردني على وتيرة واحدة ومتصاعدة، والسبب يعود في ذلك إلى حالة الانقسام التي اخترقته بسبب قضايا إقليمية أهمها الملفات السورية والمصرية والفلسطينية".
ويضيف رمضان: "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن مكونات الحراك المختلفة من أحزاب تقليدية وقوى ناشئة وحراكات لم تلتقط، حتى الآن، فرصة تاريخية للولوج إلى إصلاح حقيقي".
ويعزو ذلك إلى "تقاطع مصالح المركز الأمني السياسي الذي يقف ضد الإصلاح الحقيقي، مع جبهة الأحزاب المعارضة بقيادة الإخوان المسلمين، والجبهة الوطنية للإصلاح، الذين اتخذوا طريق الانتظار إلى ما ستؤول إليه الأحداث في سورية، وبالتالي فإن مختلف عناصر الحراك الشعبي كانت، ومن حيث لا تدري، تسير في هذا المسار، بحيث أصبحنا نعيش أزمة على مختلف الأصعدة بانتظار نتائج سورية ومصر، وكأن الأردن في كوكب آخر".
بدوره، يرى الناطق الإعلامي باسم حراك حي الطفايلة الناشط محمد الحراسيس، أن تراجع الحراك الشعبي الأردني يعود لعدة عوامل داخلية وخارجية، أهمها حالة الربيع العربي وما يحدث في سورية ومصر، والتي ألقت بظلالها على حالة الحراك الشعبي الأردني وأدت إلى حدوث انقسامات".
ويزيد الحراسيس: "مع قمع الشعبين السوري والمصري، أصبح هناك تناقض في الخطاب من قبل قوى حراكية أردنية، بحيث تسببت في ازدواجية المبادئ، فضلا عن العامل الداخلي المتمثل بعدم اتفاق الخط الإصلاحي الرسمي في الأردن مع الحراك الإصلاحي الحراكي".
أما الناشط في الحراك الشبابي عبدالله محادين، فيرى أن أهم أسباب تراجع الحراك هو "الأجواء المحيطة في المنطقة، خصوصا في سورية ومصر، والتي أوجدت حالة من التشاؤم والإحباط في نفس المواطن، فضلا عن "القبضة الأمنية" حيث هناك مئات الأشخاص المدنيين الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية، إضافة إلى منع نشطاء من السفر، الأمر الذي شكل حالة من الخوف من الانخراط في  العمل الحراكي".
ويعزو محادين أسباب تراجع الحراك أيضا إلى أن الناس "بدأت تشعر بأنها غير قادرة على التغيير"، مستشهدا بأحداث من العام الماضي، "حين تمكنت القبضة الأمنية، باعتقالها لنشطاء، أن تحبطها، بحيث أصبح المواطن يشعر بأنه إذا شارك في الحراكات الاحتجاجية فإنه سيدفع الثمن".