«الجزيرة».. قرار متأخر

قرار وزارة الاستثمار بإغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وعدم السماح لها بالعمل على الأراضى المصرية، جاء متأخرا لأكثر من عامين، وكان استمرارها عنوانا مستفزا لتحدى إرادة الدولة، وعجزها عن بسط هيمنتها على كامل أراضيها، واستباحة قناة «الجزيرة» وغيرها السيادة المصرية. القرار جاء متأخرا، لأن القناة كانت مثل البناء المخالف على أراضى الدولة، وفى عرض الطريق، ولم تتمكن أجهزة الدولة من إزالتها، أو التعرض لها طوال العامين الماضيين، وتحصنت ضد أى ملاحقات أو اعتراضات على نشاطها بعد أن تحولت لبوق وذراع إعلامية لجماعة الإخوان وحزبها وعشيرتها، ولم تجرؤ أى جهة حكومية على الاقتراب من «الجزيرة»، ومكتبها المطل على النيل بالعجوزة، الشخص الوحيد الذى كانت لديه الجرأة الكافية، والغيرة الوطنية على هيبة وسيادة الدولة، والإدراك الكامل بضرورات المنصب الذى تولاه فى أعقاب ثورة 25 يناير هو الصديق أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، الذى قرر عقب توليه الوزارة فى بدايات يوليو 2011 إغلاق «الجزيرة مباشر مصر» لعدم حصولها على تراخيص قانونية للعمل على الأراضى المصرية، وبثها تقارير كاذبة تهدد الأمن القومى المصرى. وتعرض «هيكل» لحملة انتقادات شرسة من الزملاء - ربما أكون أنا واحدا منهم- الذين اعتبروا وقتها قرار وزير الإعلام «هجمة حكومية على الإعلام، وحرية الرأى والتعبير، وتراجعا عن مكتسبات 25 يناير». لم يدرك أحد الدور المخابراتى الذى تلعبه «الجزيرة» من خلال مكتبها فى القاهرة وفق أجندة خارجية تبينت تفاصيلها بعد ثورة 30 يونيو، حتى أصبح إغلاق القناة القطرية مطلبا شعبيا، وضرورة وطنية. يحسب للصديق أسامة هيكل ثباته على موقفه من قناة «الجزيرة مباشر مصر»، حتى بعد تركه الوزارة، وفى ظل حكم محمد مرسى، وتصريحاته الدائمة بأن ما تقوم به القناة يتنافى مع تقاليد العمل المهنى والإعلامى، وخروجها على مواثيق المهنة إلى لعب دور تحريضى وترويجى لأعمال العنف والإرهاب، «الجزيرة» منذ 30 يونيو تجاوزت كل الخطوط الحمراء بشكل لم يعد مقبولا السكوت عليه، والتغاضى عنه، فقد تحولت إلى قناة لبث الأكاذيب والفتن، وترويج الشائعات، والتحريض على العنف، والدعوة المسلحة لمواجهة الشعب والدولة، ونافذة تطل منها رؤوس الفتنة، ويبث منها أئمة الشر سمومهم ضد الشعب المصرى. إغلاق «الجزيرة» سواء بالقانون، أو استجابة للغضب الشعبى، هو تأكيد لسيادة الدولة ضد كل من يتطاول عليها، ويتجاوز أمنها القومى، وهو ما فعلته فرنسا مع قناة «المنار»، وفعلته حماس الإخوانية مع قناة «العربية»، والمغرب مع «الجزيرة» نفسها.