القتل الوسيم




كل الصور البريئة للسلوك البشري التي احتفظنا بها في ألبومنا عن أهالينا في قرانا العربية والتي تُمثل التراث الشعبي لمنطقتنا العربية الخالدة وما زلنا نتبجح بالفخر بها تقف مهزومة ومرتعشة أمام جملة واحدة رددها كل الآباء والأجداد في تلك الفترة البريئة السلوك ، جملة واحدة بصرامتها وعنفها محت وهزمت كل الصور البريئة ، هذه الجملة التي شكّلت في أذهاننا نحن الصغار الصغار معادلة العلاقة بين الأب وابنه ،وبين الحاكم والمحكوم ، بين القائد وشعبه ، وأخيراً بين الذكر الشرقي والأنثى وأصبحت مع الأيام دستوراً أخلاقياً علينا الالتزام به .
تقول الحكاية " إن أباً قال لمعلم ولده : اضربه ، لك اللحم ولنا العظم " هذه الجملة على قصرها أصبحت مع الأيام أغنية يطرب الآباء ترديدها ، بربكم أي تعليم سوف يناله الولد مع هذه القسوة ، وهذا الإجرام المرفق بموافقة ومباركة الأب ؟ وأي تساهل من الأب نحو فلذة كبده ؟ حتى لو أردنا تفسير الجملة بغير كلماتها تبقى صارخة
هل تعلمون أن أمريكا والغرب أخذوا عنا هذه المكرمة / الحكمة وما زالوا يطلبون من حكام دول العالم الثالث وما أكثرهم أن يضربوا شعوبهم ،حتى تتعلم هذه الشعوب الطاعة، والذل ، وللحاكم اللحم ، وللدول الكبرى العظم ، نعم يريدون شعوباً بشكل " هياكل عظمية " لا تتوجع ، لا ترفض ، لا تهمس لكنها تتعلم الخنوع بامتياز ، وهكذا خرجنا من أبجدية بصاطير العسكر .
الآباء أرادوا لأبنائهم أن يكونوا هادئين في الصف ، مطيعين للمعلم ، وأمريكا أرادت كذلك من شعوب المنطقة ، واستبدلوا العصا التي بيد المعلم بحذاء في قدم العسكر ، ويفتخر بعد ذلك حاكم من دول العالم الثالث قائلاً أمام شاشات التلفزة " بلادي هادئة يسودها الأمن والاستقرار "
المضحك المبكي في آن واحد عندما يتجاوز الحاكم اللحم تثور أمريكا ، وأوربا ويطالبون بعدم الوصول إلى القتل المفرط ، أي اقتلوا ولكن ليس القتل المفرط ، بل القتل الوسيم والأنيق الذي يليق بشعوبكم ،وأمريكا لا تسمح بالقتل العشوائي " مشايلة " تريد القتل المبرمج وهي تندد بالقتل العشوائي وتمنع وتُحرّم واستخدام الأسلحة الكيماوية بل تُطالب باستخدام كل الأسلحة الفتاكة والمدمرة والمتاحة قنابل ، مدافع ، دبابات ، طيارات لكن إياكم والأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً .. من يضحك على من ؟؟.
إعلامنا العربي اللاهث خلف تعابير الإنسانية الجوفاء يطيب له عند ذكر القتلى بأن يذكر .. وهناك بين القتلى طفلان وثلاث نساء ، هل يُريد هذا الإعلام المغيّب أن يقول لنا إن قتل الشباب حلال وجائز شرعاً ؟ أم أنه يُريد أن يُثير حفيظة المؤسسات الدولية اللا إنسانية ؟
في رواية " أمير هذا العالم " لغريغوري كليموف وفي الصفحة الأولى تماماً والسطر الأول تحديداً هذه العبارة " عندما كان مكسيم ولداً صغيراً ، كانت أمه تجبره أن يصلي للرب ، كان يتمتم بلا اكتراث ثم يتوجه إلى الرب بهذا الدعاء : ربي من فضلك اجعلني كبيراً وقوياً ، أستطيع ضرب الجميع ، هكذا ، بيدي اليسرى ، وبخنصري وحده فقط " كم حاكم من دول العالم الثالث في صغره تمتم بهذا الدعاء قبل أن يتوجه بدعائه إلى أمريكا ، وهل كانت أمريكا تقول آآآآآمييييين
تتسابق دول الحضارة الغربية في منع التدخين لأنه يضر بالصحة ، وهو يُمثل الموت البطيء ، يا إلهي التدخين ممنوع ، والقتل مسموح ، لماذا لا ترسموا جماجمنا على كعب بنادقكم علّ العسكر يتعظ ويُقلع عن القتل .
ارحمونا من القتل الوسيم والموت الأنيق فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة كما يقول شاعر العرب درويش صارخاً بوجه الطغاة الذين يخافون من الأغنيات .