صناعة السيطرة على المنطقة بين لندن وواشنطن

بعد أن عانى الغرب ويلات الحروب والسلطة الكنسية حرر نفسه وأخذ يخطط لحمايتها داخليا بالعدل وخارجيا على دماء وحرية الاخرين واول معضلة كانت تواجهه في منطقة الشرق الاوسط وجود الدولة الاسلامية بقيادة العثمانين التي واصلت تمددها نحو الغرب حتى وصلت ابواب النمسا وكان الصدام المباشر معها في ظل وجود الفكر الاسلامي الموحد لمكونات الدولة صعبا وإن كانت الدولة العثمانية ضعيفة آنذاك، وادرك الغرب ان الشعب الموحد لا يهزم فعمل على تفكيك الدولة الاسلامية الموحدة فقادهم التخطيط الى صناعة الفكر القومي في المنطقة وحتى ينجح في ذلك التخطيط عمد إلى إنشاء القومية التركية اولا التي كان أهلها يحكمون الاجناس المختلفة في الدولة الاسلامية لاضعافها، وبث الغرب دعاة القومية العربية ردا على القومية التركية والمتفحص لدعاة القومية العربية يدرك ان فكرة القومية العربية مخطط لبث الفرقة بين مكونات الدولة الاسلامية يومها وكردة فعل من الشعوب العربية التي كان يسودها الجهل وظلم القوميين الاتراك انتشرت فكرة الاستقلال عن الدولة الاسلامية بقيادة العثمانين على اساس قومي فطُرد الاتراك من المنطقة العربية بعد ان اساؤوا الادارة باسم القومية التركية والى هنا ينتهي دور الصناعة الغربية للفكر القومي وتم تجميده برموزه المتآمرين بقصد او عن جهل ليتم استغلال الانفلات في المنطقة لتنفيذ المخططات (الاستعمارية) وحصر الفكر القومي بفكرة العائلات الحاكمة الملكية او الجمهورية تحت ضغط الطمع في الحكم والضعف في المكونات الثقافية والسياسية بدافع من الجهل المنتشر
لقد تم استغلال الحركات القومية المصنوعة في المختبرات الغربية لتقسيم الامة العربية الى ممالك وجمهوريات صغيرة والتمكين لنموذج حكم العائلات وفي هذه المرحلة تم التمكين لهذه العائلات في الاجهزة الامنية والعسكرية اضافة الى تغييب الشعب عن المشهد السياسي واقناعهم بدور الراعي الذي يسعى لمصلحة الاغنام تسمينا بشعارات براقة من مقاومة (الاستعمار) والوحدة العربية ومحاولة اعادة السيادة للامة، ولعب الغرب دورا في المسرحية فأخرج قواته العسكرية والغى دور المندوب السامي لايهام الشعوب بصحة وسلامة دور العائلات الحاكمة. وهنا توقف الزمن عند الواحدة ليلا بتوقيت لندن راعية مشرع تقسيم الوطن العربي. الى ان جاءت المرحلة الراهنة من حركات التحرر فتغير التخطيط من اجل السيطرة فتغير التخطيط فقد بدأت صناعة افشال الثورات والحركات العربية التي شبت عن الطوق الغربي بشكل مفاجئ لاعادة ترتيب السيطرة بشكل جديد وتقسيم المقسم ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
فالمفكرون الغربيون ابتداء من مفكري التاج البريطاني ومعه الفرنسي وغيرهم الى الدور الامريكي حاليا عملوا على تمكين العائلات الحاكمة من الاجهزة الامنية والعسكرية للاستفادة منها في حالة الوعي الشعبي وهذا ما حدث في سوريا والمسلسل ما زال مستمرا واما في مصر فقد ثار الشعب وسار نحو الحرية والديمقراطية لكن الشعب لم ينجح في فك شيفرة البنية الامنية للقوة العسكرية باشكالها واقنع نفسه بأن هذه الاجهزة للوطن لا الفرد الحاكم وراهن على وعيها وانتمائها للوطن ولم يخطر في البال انهم لا يرون الا ما يريهم سيدهم (الحاكم) ولم يخطر بالبال انهم تربوا على ألا يفكروا الا بما يفكر به الحاكم وان الشرف العسكري عندهم هو شرف الحاكم لا الشعب، ونسي الوعي الشعبي ان القيادات العسكرية تربت وتدربت في دوائر الغرب فلا يرون الا ما يرى الغرب في حالة من الغياب الفكري وكلنا يعلم ان العسكري الذي تبدو عليه علامات التفكير الحر المستقل يتم الاستغناء عنه مهما كان وعيه وحنكته واخلاصه للوطن فالوطن في عرف حكام العرب هو الحاكم (الفرعون)
ومن هنا قام الغرب واعوانه من حكام العرب باستخدام القوة العسكرية والامنية لضرب واستغلال الثورات مستفيدين من التجربة الصهيونية في استغلال المال والاعلام فالجاهل يصدق اعلام الحاكم المضلل ومن تأرجح وعيه أو كان من ضعاف النفوس طمس على قلبه بالمال والمنصب مما سهل على القوة التابعة للحاكم أن تهدم ارادة الشعب وتعمل على افشال تحرره
وهذا الاستغلال للثورات وافشالها وهدمها غربيا بالقوة العسكرية التي تعبد الحاكم المتآمرسيؤدي الى مزيد من التقسيم ونهب خيرات الوطن وتتدميره لصالح الغرب والحكام المفوضين من دوائر الاحتلال الغربي وليس للشعب الا ما للعبيد من اسيادهم فالعيشة في ضيق والحرية مفقودة وفقد الحرية والكرامة اشد وقعا على الحر الواعي من ضيق العيش مع الكرامة واما الجهلة فهمهم في بطونهم والطبقة الحاكمة وحاشيتها همها في المنصب وعيشة البذخ ونهب مقدرات الوطن ومن آخر طبقتين نفذ الغرب الى افشال الثورات مستفيدين من عقيدة القوى الامنية الخفية فاستمر الحكام والمتسلقون في تآمرهم واستغلوا الجهل والفقر بالمال والاعلام وانقلبوا على الثورة المطالبة بالحرية والكرامة وهذا مسلسل مستمر... فشلة او نجاحه مرهون بالوعي العام وليس بوعي النخبة فقط بسبب تمكن قوى الشد العكسي من اجهزة الدولة التي تملك القوة، ولذلك يدعمها الحاكم العربي ويكرمها ليس تقديرا لدورها الوطني ولكن لضمان ولائها له لا الشعب والوطن.
وحتى نتجاوز الساعة الواحدة بتوقيت لندن على الشعب ان يدرك ان من صنع الفرقة واجهض الحلم العربي بالقومية العربية هو نفسه من يقوم بافشال الثورات العربية، ففي لندن وحلفائها صنعت الحركة القومية وفي واشنطن تجري محاولات اجهاض الثورات الحالية... في لندن توقفت ساعتنا عند الواحدة ليلا وفي حركة مفاجئة دقت الساعة الواحد والنصف ليلا فتحركت واشنطن لافشال التحرك... انها حركة بطيئة ولكن الساعة تحركت وتغير المشهد، فان ادركنا الوعي كان التغيير الى الافضل والا سنعود الى الساعة الوحدة ليلا بتوقيت لندن مع تقسيم آخر

الدكتور محمود الهواوشه