اليوم الأول

اليوم الأول / محمد بدر
الأوائل من الأشياء لها طعم خاص ومعنى مميز لا يزول ولا يُنسى . فالولد الأول ( البكر ) له محبة خاصة ومعاملة متميزة عن باقي الأخوة ، لا يُنافسهُ فيها ربما إلا أصغر الأبناء والذي يأتي عادة على ( كبر ) . وكم تمنيتُ ، دون أن أُخبر أحدا ، حتى الآن ، لو كنت أنا الابن الأول ، رغم أنّي كنتُ أقوم بدوره فعلياً . والحبّ الأول هو الأكثر براءة ونقاءً . والمنزل الأول والجيران الأوائل وأصدقاء الطفولة ، لا ينقطع الحنين إليهم .
اليوم 28/8 كان أولّ يومٍ دراسي في عامٍ جديد . ومن هذه الأعداد الكبيرة ، هناك من كان هذا اليوم هو أول تجربة لهم مع المدرسة وأنظمتها وقوانينها . فهل تكون هذه التجربة مثيرة ومحببة ؟
اليوم غادرت الصغار أعشاشها وأحضان الأمهات ودفء الفراش بعد أن اكتست ريشا وأصبح لها أجنحة ، ولو ضعيفة ، بعضهم يتراقص فرحا بتجربة جديدة وأصحاب أكثر وعالم جديد ، وبعضهم يُساقون إليها وهم كارهون ، ثم لا تلبث أن تتحول المدارس إلى حفلات من البكاء والاسترضاء والإقناع .
اليوم أُعلنت حالة طوارئ في البيوت ، فالنوم المبكر إجباري للأطفال ، والصحو المبكر المتثاقل إجباري أيضا لتصبح البيوت كأنها ورشة عمل للإعداد والتجهيز والاسترضاء . اليوم تخلو البيوت من بهاءها وبهجتها وضحكات صغارها ، أجمل من فيها ، وصخبهم ومشاغباتهم ومشاجراتهم ، إلى حين ، على مبدأ فاصل ونواصل . اليوم تبحث الشوارع والحارات والملاعب عن روادها والألعاب عن أحبابها وأصحابها التي خلت منهم فجأةً . اليوم تشعر الأمهات بفراغ وحنين وشوق وانتظار من نوع خاص .
انّه اليوم الأول في حياة هؤلاء الصغار الكبار . وستبقى ذكرى هذا اليوم مخزونٌ في الذاكرة ، وسيأتي يومٌ بإذن الله لرواية هذه التجربة التي كانوا هم أبطالها يوما للأبناء ، وهكذا تستمر الحكاية والتجربة نفسها تتناقلها الأجيال .
ما زلت أذكره بصحوه المبكر وطقوسه ، أجلسني الوالد تحت شجرة ليمون إلى جانب الشباك وأخذ يُشجعني وسمّع لي سورة الفاتحة وطلب مني العد حتى المائة ثم أوصلني للمدرسة . وعند أول فرصة غادرتها وعدت إلي البيت لا ألوي على شيء . وعندما سُئلت عن السبب أجبت بأنه الجوع ، ولكن الحقيقة أني كنت مشتاقا إلى حضن أمي وحنانها ، والى ألعابي وفي مقدمتها الأرجوحة التي عندما كنتُ أطير بها أشعر بأن الدنيا قد حيزت لي بحذافيرها .
لماذا 28/8 . ألم يكن الفاتح من سبتمبر أولى يا معالي الوزير ؟ وهل هي مقصودة كي ننسى القذافي والفاتح من سبتمبر . ألا تريدنا أن نتذكر لنبتسم ، فقد كان نموذجا خاصاً من الحكام ، كل شيء فيه يُثير الابتسام أو أكثر . أليس هذا أفضل من حكام تُثير رؤيتهم رائحة الدم !!