خارج النص

خارج النص/خالد محمد النوباني في آخر لقاء تحاوري تم عن عمد و سابق اصرار التكتم و عدم الحديث عن الواسطة و المحسوبية كشكل من اشكال الفساد. شكرا لكم... هذه آخر صرعات وجاهاتكم. اذا اردنا ان نصنف الواسطة و المحسوبية كجنس سلوكي فهي تندرج تحت بند "الرشوة" التي يحاسب عليها القانون. لمصلحة من تفكيك مؤسسات المجتمع او قوائمه لصالح اشياء لن نستطيع الحصول عليها او حتى لن نحاول بناءها في ضوء التعتيم و الصمت و الاعتراف بما يناقضها. طالبت الاجندة الوطنية في نسختها الانجليزية باحلال مفاهيم مؤسسات المجتمع المدني مكان اشياء كان من ضمنها "العبادة لله". يعني ان نستبدل (خوف الله) بأشياء أخرى اكثر واقعية و معاينة. على ماذا من الممكن ان نعتمد اذا كان الجميع يغمضون اعينهم و يحلمون. نحن لسنا في حالة وعي تاريخية, نحن لا ندري اي شيء عن واقعنا او ماذا نريد. المصرح لهم بالكلام غير المصرح لهم بالمعاناه. لذلك المشهد مجرد عبث مستمر و لن يكون له اي نهاية سعيدة. اذا رأينا انسانا قد تكالب عليه كل شيء فأننا كمجتمع سنبدأ و ننتهي مبررين له لماذا هو يستحق ما يحصل له. نحن لا نشعر بالتعاطف او نحس بالظلم و المظلومين. رجعنا بفضل اشياء كثيرة الى طور البداوة حيث تحمي مضاربك فقط لا غير اما مضارب غيرك حتى لو كان جارك فإنها مباحة لك و لغيرك و ما دمت سالما و الحالة هي هذه الحالة فان ذلك اكبر دليل على قوتك و نفوذك الذي يفتقر اليه الذين رفستهم حوافر الخيل. هناك شذوذ عن هذه القاعدة ككل القواعد الموجودة في التاريخ. نحن اسقطنا من عقولنا بشكل كامل و مرة و الى الابد شيئا اسمه "الاستنتاج المنطقي" و وضعنا مكانه "الاستنتاج المصلحي" بالرغم من انه يشكل ضربا من ضروب الجنون. عندما يواجه شخص ليس له "اللي وراه" قوة ايا كانت و يسعى للحصول على شيء تافه و ادنى انواع التعاطف فانه يواجه السؤال "ليش انت بالذات مستقصدينك؟". هذا السؤال يطرح بينما الحرائق تشتعل في كل مكان و على كل الجبهات لكن الاستنتاج المصلحي ان لا اعطي شيئا "حتى قليل تافه من التعاطف". يجب ان لا تحس بالاخرين نهائيا. ان لا يعترف الانسان في المجتمع حتى باحقية غيره في العيش بسلام. مجتمع كهذا هو مجتمع جاهز للتفكيك في اي لحظة. كل شخص يعيش لنفسه فقط و الحق و الحقوق تظهر في واجبات الاخرين و ليس في تصرفاتنا. لا يكف شخص من هذا المجتمع شره عن الاخرين الا اذا رأى شرا اكبر منه و أأذى منه. هذه هي القاعدة الأساسية للواسطة و المحسوبية. هم لا يأخذون فقط (و لا اعني هنا صنفا معينا بل ظاهرة سلوكية في افراد المجتمع) ليستفيدوا بل ان اخذهم احيانا هو فقط لممارسة (القدرة) و التكبر التي يقول الله فيها "الكبرياء ردائي من نازعني ردائي قصمته". الاحاديث القدسية ليست هنا للوعظ و الارشاد انها "العرف بين الله و الناس" فكل شيء ضدكم حتى الله. يسير الانسان عبر الزمن فلا يجد اعترافا حتى بالشهادات العليا بينما يقدس الجميع القرش و اللقمة و صيغة الامر. استغرب ان يقال لانسان متمرس كلام يشكك في كل شيء حققه فعلا . لماذا نثبت دائما ان المنطق هو عدونا اللدود و نهاياتنا المحزنة. لا يمكن لمقدمات سخيفة ان تحقق نتائج باهرة الا في المختبرات المخجلة. لا اجد اي سبب للنقاش او الحياة او حتى الاستمرار ما كان هدف الجميع هو اسنان المشط. يتصرفون كآلهة و عبيد في رنين غاب عنه حتى الصوت. العالم وصل الى تكثيف الضوء و نحن لا نستطيع تكثيف افكارنا و بلورتها. لا نستطيع قراءة نص او الوصول الى استنتاج حقيقي. المتجرؤون على الكلام هم المتجرؤون على اللعي و قلب المعدة من خلائط الافكار المؤكسدة. يكفي ان تخرج الفكرة في الهواء حتى تموت. افكار مداراة و افكار مباراة. اين نحن؟ و الى اين؟ هذه اشياء غير مهمة عندما نلتهي بالعلف و ندفع او ندرؤ بالحلف. لقد اصبحت اماكننا استديوهات و حياتنا مجرد مسلسلات بغيضة مليئة بالمخرجين و المؤلفين و لكن لا يجرؤ احد على انتاج مشهد واحد خارج عن النص.