النظام السياسي الأردني يريد إعادة تعريف الديمقراطية ولا يريد تطبيقها


الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة
لفت نظرنا قبل أيام حديث الملك خلال استقباله للمشاركين في المؤتمر السادس عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي والذي اشار فيه الى أن قضية "الأغلبية" ليست هي القضية الأساسية في الديمقراطية وأنه ينبغي "التفكير في الديمقراطية كغاية بحد ذاتها وليس مجرد أرقام ونسب تستخدمها الأكثرية السياسية ضد الأقلية. الغلبة ليست جوهر الديمقراطية، بل إحساس الجميع بأنهم ممثلون، وهذا هو جوهر الإجماع السياسي في الإسلام". توقفنا مليا عند كلمات الملك وإشاراته هذه لنخرج باستدلالات معينة لها فلم نوفق حيث أن مفهوم الديمقراطية منذ زمن اليونان وما شهده من تطورات وتعديلات عبر العصور المختلفة اصبح من أبرز محاوره وأركانه الركينة هو حكم الأغلبية مع المحافظة على حقوق الأقلية (Majority rule while maintaining the rights of the minority) .وحكم الأغلبية هذا هو في الأصل مستمد من مصطلح الديمقراطية والذي يعني حكم الشعب وأن الشعب هو مصدر السلطات وهو أساس الحكم . أما حقوق الأقلية فهي محفوظة ومصانة وقد تناولها العديد من الفلاسفة والمفكرين السياسيين والاجتماعيين أمثال جون ستيوارت ميل وغيره.
أما بالنسبة لحكم الشعب لنفسه فهو يستند الى قاعدة الانتخاب إذ لم يعد بالإمكان حكم الشعب إلا من خلال ممثلين له يتم انتخابهم بطريقة حرة ونزيهة وهذه لا يمكن أن تتأتى في ظل إشراف نظام أو هيئة سياسية مستبدة على الانتخابات. نعم هذا ما يفسر ان معظم الانتخابات في الدول النامية غير حقيقية ولا تعكس إرادة الجماهير بسبب إشراف وإدارة حكومات لا تؤمن بالديمقراطية ولا تنسجم مصالحها مع إفرازات ديمقراطية حقيقية لا بل فإن هذه الإفرازات تهدد استمرارية النظام السياسي المستبد.
ولعلنا في هذا السياق نقول بأن حكم الأغلبية هو القضية المحورية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة. فشرعية ديفيد كاميرون وحزب المحافظين على سبيل المثال مستمدة من صناديق الاقتراع وإلا لما وجدنا كاميرون ومعظم أعضاء حكومته في السلطة وكذلك أوباما ولنتذكر أكثر أن جورج بوش الأبن فاز بأغلبية بضع مئات من الأصوات . لا يوجد طريقة عملية أخرى غير الانتخابات وغير معيار الأغلبية يمكن للمجتمعات المعاصرة ان تتبعها لترجمة مبدا سيادة الأمة وإرادة الشعب .إن الحديث عن الشورى والإجماع السياسي من منظور إسلامي يبدوا لي أنه كلام يغلب عليه الطابع الأكاديمي النظري وما زال كثير من المسلمين بمذاهبهم المختلفة غير متفقين أو مجمعين على كيفية تطبيقه في الحياة المعاصرة خصوصا في ظل مجتمعات تدين بالإسلام ولكنها تتبنى الفكر العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة.
حديث القيادة السياسية عن التفكير بالديمقراطية كغاية بحد ذاتها وليس مجرد أرقام ونسب تستخدمها الأكثرية السياسية ضد الأقلية حديث ليس فيه جديد ويبدوا أن النظام السياسي الأردني يريد تقليل الاهتمام بموضوع الأغلبية وعدد الأصوات آخذين بعين الاعتبار الدعم الأردني الكامل وغير المشروط للانقلابيين واختطاف اصوات الأغلبية في مصر من قبل العسكر وكذلك موقف الأردن الرسمي غير الواضح من النظام السوري الذي ترفضه أغلبية شعبه.
وفي إطار الحديث عن الأغلبية والديمقراطية فإننا نتساءل أيضا عن مقاصد وأسباب نكوص النظام السياسي الأردني عن تبني قانون انتخاب لمجلس النواب يتيح تمثيل القوى السياسية المختلفة حسب حجم قوتها وتواجدها في المجتمع وإصرار النظام على قانون الصوت الواحد الذي صمم للحيلولة دون تمثيل الإخوان المسلمين بما يعكس تواجدهم في الساحة السياسية الأردنية ! ألم يستخدم قانون الصوت الواحد من قبل النظام لإعاقة وصول وتمثيل اطراف سياسية بعينها في مجلس النواب؟
نعتقد انه من الأفضل للنظام السياسي الأردني أن يتجاوب مع مطالب الشعب الإصلاحية ويطبق الديمقراطية بدلا من انشغاله بإعادة تعريف الديمقراطية. إن إحداث تغييرات وتعديلات دستورية تؤدي الى تغيير حقيقي وجوهري في العملية السياسية يتيح للأطراف والقوى السياسية المختلفة أن تكون ممثلة بوزنها الحقيقي وببرامجها مستندة لإرادة الشعب من خلال أغلبية أصوات الناخبين التي لا تشكل قضية خلافية في الأردن هي الضمان لاستقرار وأمن الأردن. الأغلبية وحكم الأغلبية أصبحت مفاهيم مستقرة في الأدب السياسي والفقه الدستوري على الرغم من بعض أعراضها وأحيانا نتائجها السلبية التي لا يمكن الاستناد إليها واستخدامها لرفض القاعدة العامة وهي أن مبدا الأغلبية مبدأ ديمقراطي ينسجم مع القيم الإنسانية التي تتخذ من الحرية والمشاركة السياسية وسيادة الأمة ديدنا لها.