ننحاز إلى لبنان



الذي ضرب الضاحية الجنوبية في بيروت ، هو نفسه الذي ضرب عاصمة الشمال اللبناني طرابلس ، والذي فجر السيارة المفخخة لإيذاء الشيعة ، في بيروت ، هو نفسه الذي فجر السيارتين المفخختين لإيذاء السنة في طرابلس ، فالهدف واضح لكل من يدقق ويستعمل عقله ، ويحكم ضميره ، يتمثل بتدمير لبنان وزعزعة كيانه الموحد ، وجعله أُلعوبة بيد المتطرفين من كل الإتجاهات ، عبر سياسة رمي الكرة ، بالعنف والعنف المضاد ، بالتفجير والتفجير المماثل الأقوى ، بالقتل والقتل المضاعف ، وهكذا يعود لبنان إلى حربه الأهلية التي عصفت به سنوات بين المسلمين والمسيحيين ، بدعم وتخطيط إسرائيلي علني مكشوف في ذلك الوقت من قبل شارون وحكومة بيغن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي .

قد يكون من وضع العبوات الناسفة وسيارات الموت المفخخة في الحالتين هو لبناني ، ولكنه الأداة المنفذة ، بينما المخطط والمحرض لا شك هو عدو ، عدو لبنان التعددي : المسلم المسيحي السني الشيعي الدرزي ، فلبنان المحبة والأرز والشراكة والتعايش لكل اللبنانيين ، هذا هو عنوان لبنان وميزته وسبب تفوقه وإنتصاره وإستمراريته .

لبنان نقيض " إسرائيل " وعدوها ، ليس فقط لأن فيه " حزب الله " بل لأن وطنييه وقومييه ويسارييه ، هم أعداء للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، ولأن لبنان عنوان التعايش بين الأديان والطوائف فهو نقيض " إسرائيل " العنصرية ، ولأنه إنتصر في أيار 2000 ، وصمد في تموز 2006 ، وإحتضن المقاومة الفلسطينية ، فهو يُعاقب ، ويجب معاقبته وتدميره ، أسوة بما يجري في سوريا ، وجرى في ليبيا وقبلها في العراق ، وما يحاولون فعله في مصر وتونس ، وأي بلد عربي يقف بشموخ ضد الصهيوينة والإستعمار ، ومؤيداً لشعب فلسطين ، وداعماً له ، لنيل حقوقه وإسترجاعها من بطن الوحش الإسرائيلي .

لبنان أكبر من أي طائفة ومن أي حزب ومن أي تيار ، لبنان كان دائماً منارة للديمقراطية وحرية الأحزاب وتداول السلطة ، حينما كان الأخرون غرقى في التسلط والرجعية والتخلف ونكران الأخر ورفض الديمقراطية وغياب صناديق الأقتراع ، لبنان كان خميرة يتحاشاها القادة والزعماء العرب ، لأنه بذرة الديمقراطية وعنوانها العربي ، وبوصلة الناس في التوجه والأعلام ومعرفة الوقائع المخفية ، فسعى كل منهم لتأثيره على لبنان وفشل ، لأن لبنان أكبر من قدرة أي نظام العربي للتأثير عليه وإبتلاعه وتكييفه حسب الرغبات .

لبنان هذا يحتاج للتعاطف والأنحياز حماية له ، لأن فشله يعني فشل التعددية والتعايش والشراكة مع الأخر ، يعني فشل التعايش الأسلامي المسيحي ، وفشل التعايش السني الشيعي ، وفشل إحتضان العرب لكل القوميات التي تعيش معنا ، من كرد وشركس وأرمن وأفارقة وأمازيغ ، لذلك يجب أن ننتصر لـ لبنان وننصره ، ولأننا الأردنيين أصحاب رسالة قومية قامت عليها دولتنا بعد الحرب الأولى ، ولأننا أصحاب " رسالة عمان " التي نعمل لأجلها ، لأجل ذلك كله نقف مع لبنان وبقوة وبإنحياز ، ولأن عدو لبنان هو عدونا الوطني والقومي والأنساني .


h.faraneh@yahoo.com