شيطنة الإخوان المسلمين
ليست المرة الأولى التي يتم فيها نزع الشرعية عن حركة الإخوان المسلمين، في مصر، وسحب رخصة عملها، منذ أن تأسست العام 1928، فقد سبق وأن تعرضت للشيطنة، مرة في العهد الملكي، ومرتين في عهد عبد الناصر، وها هي قد تكرر في عهد ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
في العهد الملكي اغتال "الجهاز الخاص" الذي أسسه حسن البنا، رئيس الوزراء أحمد ماهر، ورئيس الوزراء النقراشي باشا، والقاضي المستشار الخزندار الذي أمر بحل الإخوان المسلمين ونزع الشرعية عنهم.
وفي العهد الجمهوري، تحالفوا مع عبد الناصر للقيام بثورة 23 يوليو، وكانوا جزءاً من الضباط الأحرار، ولكنهم اتهموه بسرقة الثورة، فحاولوا اغتياله خلال احتفال حاشد بالإسكندرية العام 1954، فاعتقلهم وحل التنظيم، فشكلوا تنظيمهم السري، وحاولوا القيام بانقلاب، متهمين عبد الناصر، بدفع مصر نحو الاشتراكية والتأميم والتحالف مع الاتحاد السوفييتي، فأعدم سيد قطب وآخرين في الستينيات.
السادات تحالف معهم ضد رفاقه، في حركة 15 مايو 1971، وأعاد قياداتهم من المنفى وسلمهم وزارات، وأنعشهم، لمواجهة عواقب طرد الخبراء السوفييت، وخصخصة المؤسسات والتراجع عن سياسات عبد الناصر، وشاركوه خياره الداخلي، وصمتوا على سياسته الخارجية مع "كامب ديفيد" والتحالف مع الأميركيين، وإنهاء حالة الصراع، ووقف الحرب ضد العدو الإسرائيلي، وغطاء لبوابات التطبيع مع الأميركيين والإسرائيليين والغرب، فشكلوا المؤسسات الاستثمارية والخيرية وتمددوا تنظيمياً، وهادنوا مبارك رغم الكره المتبادل بينهما، فاستفادوا حتى جاءت لحظة الاستحقاق، فنالوا الأغلبية البرلمانية بعد ثورة 25 يناير، ونجح مرشحهم محمد مرسي ليكون رئيساً شرعياً منتخباً عبر صناديق الاقتراع، فاقترفوا الأخطاء، عبر العمل على "أخونة" مؤسسات الدولة، فاصطدموا مع الجيش والقضاء والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، فانكفأ عنهم، من صوّت مع مرسي ضد منافسه أحمد شفيق من الليبراليين والقوميين واليساريين.
سلسلة الأخطاء التي ارتكبها مرسي والإخوان المسلمون أدت إلى مظاهرات 30 يونيو، وقرار العزل يوم 3 تموز (يوليو)، وخروج الملايين دعماً للجيش يوم 26 يوليو (تموز)، تمهيداً لفض الاعتصام في ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة".
ما جرى يوم الأربعاء 14 آب، خلاف ما جرى قبله، فهي محطة تصادمية نوعية، من قبل المؤسسة العسكرية، في مواجهة الإخوان المسلمين ومن يقف معهم ويساندهم، فقد سقط خلال الاشتباكات المتبادلة أكثر من 600 قتيل منهم 52 من الضباط والشرطة، وأكثر من 4500 جريح، منهم 300 ضابط وشرطي، وبات التنظيم وقياداته مطاردين مطلوبين، وسيكون لهذا تبعاته، خلاف ما كان قبل الحدث، فالتداعيات عميقة وآثارها ستبقى قائمة لسنوات، ونتائجها لن تقتصر على حدود مصر وحركتها السياسية وتشكيلات الشارع ومزاجه، بل ستترك بصماتها على مجمل الوضع العربي، فالإخوان المسلمون ليسوا تنظيماً مصرياً محلياً، بل هم الأقوى العابر للحدود في العالم العربي، ومثلما دفع اليساريون العرب ثمن هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، ودفع القوميون العرب ثمن احتلال العراق وفشل التيار القومي، سيدفع الإخوان المسلمون ثمن أخطائهم وخطاياهم في مصر ومن قبلها في فلسطين - غزة بسبب الانقلاب والتفرد والسيطرة الأحادية، ومن بعدها ما فعلوه في سورية وليبيا وغيرهما من البلدان العربية.
لندقق ما قاله محمد حبيب، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، المستقيل، يوم 19 آب من على صفحة "المصري اليوم" تحت عنوان "الذين خسروا كل شيء" كتب يقول: "إن الإنصاف يقتضينا القول، إن الاعتصامين لم يكونا سلميين، وأن الحكومة وأجهزتها الأمنية أعطت الإخوان فرصاً كثيرة لفض الاعتصامين حفاظاً على الدماء والأرواح، لكنهم لم يقرؤوا – كالعادة – تلك الرسائل، بل زادهم ذلك كبراً وغطرسة وغروراً، تصوروا في لحظة أنهم الطرف الأقوى، وأن عروض المصالحة الحكومية، والوساطات التي جرت على يد الوفود العربية والأجنبية تعبر عن ضعف مؤسسات الدولة، ما جعلهم يرفعون من شروطهم".
"من المؤكد – كما يقول محمد حبيب – إن الإخوان كانوا يعولون بشكل رئيسي على دعم الإدارة الأميركية لهم، وأنها ستقوم بالضغط على الدولة المصرية، لأن مصلحتها مع عودتهم، ونسوا أن الإدارة الأميركية حين تعاملت معهم كان معهم الشعب والجيش والشرطة، أما الآن فليس معهم أحد، خسروا كل شيء بفشلهم وسوء تقديرهم وعدم إدراكهم لما يحدث حولهم، لقد كانت أخطاء الإخوان قاتلة، فشلوا في تحقيق الاستقرار السياسي، وفشلوا في إيجاد الحد الأدنى من التعافي الأمني، وفشلوا في التوصل إلى حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة، وأدى إعلانهم الدستوري المشؤوم إلى الانقسام والتشرذم والاحتراب الأهلي، والعنف المجتمعي، علاوة على انهيار دولة القانون".
هذا ما يقوله، أحد أبرز قياداتهم السابقة، وهو يقول ذلك، بالتأكيد ليس تشفياً بهم، فهو منهم، ولكنه يقول حزناً عليهم، لما فعلوه، ولما وقعوا فيه من سوء تقدير، وسوء إدارة، وسوء اختيار.
حركة الإخوان المسلمين حركة سياسية بامتياز، تتقدم وتتأخر اعتماداً على توظيف العوامل المحلية لصالحها، واعتماداً على العوامل الخارجية التي تساندها، مثلها مثل أي حزب سياسي، ينتصر وينهزم، وفق الظروف والمعطيات، والحصيلة ليس لها علاقة، لا بالدين ولا بالإسلام، بل بالعوامل الذاتية والموضوعية المرتبطة بالحدث والقرار، وبالكيفية التي تعاملوا من خلالها مع الحدث وسير الوقائع، فقد تحققت لهم عوامل نجاح لم تتوافر لهم طوال عشرات السنين، ففازوا بالأغلبية البرلمانية ومرشحهم غدا رئيساً للجمهورية بموافقة القوى المحلية بدءاً من الناس الناخبين من الليبراليين والقوميين واليساريين، مروراً بالجيش، وانتهاء بالأميركيين على المستوى الخارجي، ولكنهم تعجلوا نصيبهم، فحاولوا السيطرة والاستئثار وأخونة الدولة، مثلما سبق وفعلوها في فلسطين، حصلوا على الأغلبية البرلمانية في انتخابات التشريعي العام 2006، فأصبح عبد العزيز الدويك رئيساً للمجلس التشريعي، وإسماعيل هنية رئيساً للحكومة، ولم يكتفوا بذلك، حيث بادروا لانقلاب عسكري دموي في حزيران 2007، وهيمنوا منفردين على قطاع غزة وما زالوا.
h.faraneh@yahoo.com