يبدو أن دوامة البحث عن الاتهامات والذرائع في عملية التشويه والتحريض ضد سوريا لن تتوقف عند حد معين، وما دامت الأطراف الممعنة في التآمر على الشعب السوري مصرةً على مواصلة التعبير عن كرهها وحقدها على سوريا شعباً وجيشاً وحكومةً، بتحالف هذه الأطراف مع الإرهاب سرّاً وعلناً.
إن ما يثير الدهشة والاستغراب أن لا يشار إلى وقوع هجوم بالأسلحة الكيماوية من قبل من يسمون أنفسهم ”المعارضة” السورية المدعومة من الغرب إلا عندما تكون القوات المسلحة السورية في حالة تفوق ونصر على الإرهابيين المدعومين من الغرب، وتكون تلك القوات قد حققت انتصارات ومكاسب كبيرة.
فمع مباشرة خبراء الأمم المتحدة في مجال الأسلحة الكيمائية مهمتهم في سوريا بالتحقيق في استخدام العصابات الإرهابية أسلحة كيميائية في خان العسل بريف حلب، وسط وإصرار سوري رسمي وبتنسيق بين الحكومة السورية والأمم المتحدة، ليقدم بادرة حسن نية تدحض الاتهامات التي تسوقها ما تسمى المعارضة السورية وداعموها ضد الجيش العربي السوري جملةً وتفصيلا، وكذلك ما يشهده المشهد العسكري السوري من تقدم الجيش العربي في اللاذقية واستعادته مناطق حيوية واستراتيجية، كان لا بد من أدوات الإرهاب وداعميها التدخل للتشويش على مهمة المفتشين الأمميين ونتائجها، وعلى تقدم الجيش العربي السوري، عبر اللجوء إلى الوسائل ذاتها التي عادة ما تلجأ إليها العصابات الإرهابية حين تتلقى ضربات ساحقة وتخسر مناطق سيطرتها، وهي ارتكاب المجازر للتستر على فشلها وهزائمها ولإحداث ارتباك كبير.
قادت أميركا والأوروبيون حملة حراك دبلوماسي دولي واسع لتوريط دمشق في مزاعم ميليشيات المسلحين استخدام الجيش السوري أسلحة كيميائية في قصف مناطق في ريف دمشق كما تقول المعارضة، حيث اعتبرت روسيا أن هذه ”الادعاءات الباطلة جملة وتفصيلا” تندرج في إطار ”الحرب الإعلامية” على سوريا وتهدف إلى التغطية على ”هزائم العصابات المسلحة” على الأرض، وقالت روسيا إن تلك الادعاءات باستخدام السلطات السورية أسلحة كيميائية في ريف دمشق تمثل ”عملا استفزازيّاً مخططاً له مسبقاً”.
أما مجلس الأمن الدولي الذي انعقد على عجل، فقد أكد مساء الأربعاء الماضي، أن أعضاءه متفقون على ضرورة ”الوضوح” بشأن الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيميائية في ريف دمشق، لكنهم لم يصلوا إلى حد المطالبة صراحة بأن يقوم محققوا الأمم المتحدة الموجودون حالياً في سورية بالتحقيق في الحادث. ولم يتمكن أعضاء المجلس من التوصل إلى اتفاق بشأن مسودة بيان قدمته الولايات المتحدة تتضمن دعوة إلى إيفاد المحققين الدوليين الموجودين حالياً في سورية إلى مكان الهجوم المزعوم في الغوطة الشرقية. ولم يوجه المجلس دعوة صريحة لإجراء تحقيق دولي.
وذكرت مصادر دبلوماسية أن روسيا والصين عارضتا مسودة بيان كانت تدعو السلطات السورية إلى ضمان وصول المحققين الدوليين إلى مكان الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق. وأوضحت المصادر أن المسودة التي قدمتها واشنطن كانت تتضمن أيضا طلبا بـ”اتخاذ إجراءات عاجلة لإجراء تحقيق من قبل البعثة الأممية في هذا الهجوم”.
وفي بيان لها قالت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ”إن قنوات الفتنة والتضليل وسفك الدم السوري قامت كعادتها بالادعاء كذباً أن الجيش العربي السوري استخدم اليوم الأسلحة الكيماوية في مناطق ريف دمشق”.
وجاء في البيان إن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ”إذ تؤكد أن هذه الادعاءات باطلة جملة وتفصيلاً وعارية تماماً من الصحة وتندرج في إطار الحرب الإعلامية القذرة التي تقودها بعض الدول إعلامياً ضد سورية فإنها تشدد على استكمال مهامها الوطنية في مواجهة الإرهاب أينما كان على تراب الجمهورية العربية السورية تنفيذاً لواجبها في حماية الوطن والمواطن”.
ويجب الإشارة، أن التركيز على امتلاك دولة أو استعمالها الأسلحة الكيمائية مسألة لها عدة أهداف منها على سبيل المثال تعريض الدولة المتهمة بحيازته للتفتيش الدولي عبر خبراء متخصصين في ذلك من منظمات دولية معنية بالأمر ما يعرض سيادة الدول للانتهاك وأمنها القومي للخطر ولكن الأخطر من ذلك ـ وهو ما يقع في دائرة اهتمامنا ـ هو أن ثبوت استعمال الأسلحة الكيماوية في أي نزاع أو صراع أو حرب يجعل مجلس الأمن قادراً على اتخاذ أي قرار بمواجهة تلك الدولة ولا يحق لأي دولة عضو من الأعضاء الدائمين بالمجلس استعمال حق النقض أو الفيتو لإفشاله أو الحيلولة دون صدوره وهنا تكمن خطورة المسألة وأهميتها والنتائج التي يمكن أن تترتب على أي تحقيق يمكن أن تقوم به جهة أو فريق تفتيش دولي تحت هذا العنوان.
إن اتهام سورية العربية التي تقاتل نيابة عن العرب مشروع الشرق الأوسط الكبير باستخدام السلاح الكيماوي في الأحداث الجارية على أرضها للدفاع عن شعبها إنما هو تهمة يراد منها التمهيد لشن الحرب عليها بعيداً عن الأعراف والمواثيق الدولية وهو عدوان يجب الاستعداد لصده بكل الوسائل المتاحة إعلاميا وعسكرياً وشعبياً. وهذا العدوان الذي في خلد الرئيس الأمريكي ”أوباما” سوف يكون مصيره كمصير زميله ”بوش” في العراق لأن الشعوب لا تقهر والرؤساء الأمريكان سواء كانوا من الجمهوريين أم الديمقراطيين لن يتعظوا من إرادة الشعوب المحبة للسلام والحرية، فما فعله ”بوش” في العراق كان جريمة لا تغتفر لدى شعوب العالم واليوم يريد ”أوباما” أن يجرب حظه العاثر في سورية لتكون نهايته كنهاية سابقه.
لقد خسرت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سبعة آلاف جندي في العراق وهو رقم أمريكي وأكثر من 170 ألف جريح و 3600 مصاب بمرض حرب العراق وخسرت جبروتها كقوة عظمى ولم يبق فيها إلا الكذابون والقتلة في البنتاغون.
فالأسلحة الكيميائية تعدّ واحدة من الذرائع الوهمية التي اخترعها ”أوباما” للتدخل العسكري في بلد آخر من بلدان الشرق الأوسط، والدور هذه المرة على سورية… المطلوب تفتيتها كدولة وتقسيمها إلى دويلات طائفية متنازعة. أميركياً وإسرائيلياً وغريباً، المطلوب: هو تفتيت سوريا لإزاحة أحد مضلعات مثلث المقاومة المكون من المقاومة الوطنية اللبنانية وسوريا وإيران، وبذلك تسُهل مقاومة الطرفيين الباقيين. التحدي الأول للحكومة الإسرائيلية الجديدة والأكثر تطرفاً وفقاً لنتنياهو وبعض أعضاء حكومته هو الموضوع النووي الإيراني. الإدارة الأميركية أعلنت مراراً أن امتلاك إيران للسلاح النووي هو خط أحمر بالنسبة لها!
للعلم فإن تفاصيل الصراع في سوريا منذ أعوام ( قبل بدء الأزمة) وحتى اللحظة كان موجوداً وما يزال على الشبكة العنكبوتية تحت عناوين مختلفة، الأمر الذي يجعل من نظرية المؤامرة قضية قائمة، وليس تبريراً للعجز العربي كما تقول أوساط عربية وغربية كثيرة تعتبر ”نظرية المؤامرة” إسقاطاً لهذا العجز.
إن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي يجب أن تحاسب اليوم على ما تقوم به من إبادة لشعوب العالم بواسطة أسلحتها الكيماوية، فما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا يفوق ما قتل ودمر في الحربيين العالميتين، وتقوم أمريكا الآن بإجراء اختبارات يستخدم فيها غاز الخردل وغيره من الوسائط الكيماوية وعرضّوا آخرين لاختبارات إشعاعية وتعّرض آخرون أيضاً لأنواع مختلفة من جينات مرضية دون علم أو رضا من جرت عليهم هذه الاختبارات، كما استخدمت أسلحة نووية في اليابان وأخرى بيولوجية في كوريا، واستخدمت أسلحة كيماوية في فيتنام.
وأمريكا التي تعارض هذا السلاح الآن تواصل تطوير أسلحة دمار شامل، على سبيل المثال جيل جديد من الأسلحة النووية ومدافع العاصفة المعدنية التي تطلق مليون قذيفة من بطاريات المدفعية الثقيلة في الدقيقة، كما استخدم صبية متخلفون عقلياً في تجارب إشعاعية، وإن تجارب أمريكية على مواطنين ليست لديهم فكرة عما يجري بهم قد نفذت على مدى سنوات، و وزارة الدفاع البريطانية اعترفت بأنها أجرت طوال 40 عاماً اختبارات إشعاعية على البشر وأنها أجرت اختبارات سريعة للغاية على الحرب البيولوجية في شواطئ الكاريبي وأمرت المسؤولين بأن يكذبوا بشأنها وأن اختبارات مماثلة في لندن، كما أن أمريكا ولندن أجرتا تجارب سرية بغاز الخردل على نحو ألفين من رجال الخدمة العسكرية الأستراليين.
ويقول ”شيلدون هاريس” أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا الحكومية عام 2012 م (إن التجريب البشري وإنتاج وسائل الحرب البيولوجية ازدهرا في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها على الرغم من الاتفاقات الدولية التي تحظر مثل هذه النشاطات).
وهكذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوربيين العامل الرئيسي في قتل شعوب العالم وأكثر من هذا أنهم ينتهكون كل المعاهدات والمواثيق الدولية. وها هم اليوم يتهمون سورية العربية التي تدافع عن نفسها وعن كرامة شعبها، وهي بالطبع لعبة استعمارية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ولد من رحمه ما يسمى بالربيع العربي الأمريكي لإذلال العرب والسيطرة على قدراتهم العلمية وتحطيم العقل العربي.
أميركا التي تتاجر بدماء الشعوب وتدّعي الحرص على حقوقهم في آن، توزع اتهاماتها الباطلة على كل بلد يرفض سياساتها الإجرامية، ولا ينضوي تحت عباءتها المتصهينة، وتتجاهل حقيقة أنها صاحبة اليد الطولى في ارتكاب الجرائم والأعمال الإرهابية المنظمة في كل أصقاع العالم، وتتناسى أيضا أنها الدولة الوحيدة والأولى في التاريخ التي استخدمت السلاح النووي ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945، وصور الأطفال الذين يولدون مشوّهين بتلك المدينتين مازالت خير شاهد على إرهابها.
ويبدو أن هناك استعجالاً للتدخل للإطاحة بالنظام السوري لدى الولايات المتحدة وحلفائها الساعين إلى تفتيت سورية وتفكيك منظومة المجتمع السوري متعدد الألوان والطوائف والأعراق والأديان، وخلخلة ذلك الطيف، وضرب السلم الأهلي، وغسل الأدمغة السورية التي لا يزال فكرها ينبض بالعروبة والوحدة، ويستشعر مخاطر التدخل الغربي المسنود من بعض العرب في الشأن الداخلي السوري، ويعلم تمام العلم الأجندات التي تقف خلف هذا التدخل السافر.
من المؤكد والثابت بأن الجهات المدعومة من الغرب قد اشترت العديد من وسائل الإعلام لكننا نتساءل لماذا يهدر أولئك الناس أموالهم في التسويق لأكاذيب يصعب تصديقها؟ وماذا يمكن أن يقال عن الادعاءات التي روج لها الإرهابيون حول استخدام الأسلحة الكيماوية؟ وماذا يفعل الإرهابيون وماذا تفعل الأنظمة الداعمة للإرهابيين في أفغانستان والعراق وصربيا؟ ولماذا تعمد إلى تسليحهم وتمويلهم وتدريبهم؟.
هل يعقل أن تعمد القوات السورية المسلحة إلى مهاجمة الإرهابيين بالأسلحة الكيماوية في الوقت الذي تكون به قد حققت نصراً عليهم؟ وفي هذا السياق نستذكر ما أدلى به ”دونالد رامسفيلد” من ادعاءات وأكاذيب عندما قال بأن صدام حسين يملك أسلحة الدمار الشامل في بغداد وتكريت والشمال والجنوب والشرق والغرب من بلاده.
في هذه المرحلة يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن إدارة ”أوباما” قد بذلت الكثير من رأسمالها عسكرياً ومادياً ودبلوماسياً من أجل تأجيج الأحداث في سورية، لكن قلة من الأمريكيين يعرفون أن إدارتهم متورطة بالفعل حتى أذنيها في عمليات القتل الجماعي التي تحدث هناك.
وعلى سبيل المثال كان ”أوباما” يعمل على تسليح ”الإرهابيين” في سورية لأكثر من عام، حيث نشرت صحيفة ”نيويورك تايمز” الأمريكية مقالاً ذكرت فيه أن الإدارة الأمريكية كانت تعمل على الاتجار بأطنان من الأسلحة بطرق غير شرعية من خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وإدخال هذه الأسلحة إلى سورية وساعدهم في ذلك بعض دول الخليج العربي وعلى رأسها قطر.
أمريكا تعرف هي وجوقتها الغربية من بريطانيا وفرنسا… وأدواتها في سباق الماراثون القاطعة البحار إليها، أنها في حالة صنع مخاض سيناريو جديد بعد فشل كل ما صنعته وأعدته العقول البحثية من مخططات تآمر كوني على سورية.. ومما توقعته ورسمته مراكز البحث الأمريكي ـ الصهيوني التي وجدت أنه بعد مرور العامين ونيّف، على مجريات الأحداث في المنطقة، صموداً سورياً قلّ نظيره، وأن الرؤية للربع الثاني من عام 2013 ـ حسب توقعات مركز ”إكسفورد آنا ليتيكا” في تقريره الأخير ـ هي أن ما يميز الفترة القادمة هو الانقسامات السياسية والاقتصاديات الضعيفة، ولاسيما في الدول التي أمسك الإخوان المسلمون بزمام سدة الحكم فيها كتونس ومصر وليبيا، إضافة إلى ما تشهده دول الجوار السوري بسبب تداعيات الأزمة فيها أو بالأحرى الحرب عليها.
وإن يكن ما يلحظه التقرير من تفصيل لما يراه من مستقبل للدول العربية بعد أن بشّر بربع قرن جديد من الانتكاسات السياسية والمجتمعية والاقتصادية والإنسانية ضمن سيناريوهات متعددة، فقد اعترف بقدرة الجيش العربي السوري على صدّ هجمات المسلحين، إضافة للهجمات التي قد تكون منسقةً في وقت لاحق من العام، وشدد على أنه من المرتقب أن يستمر العنف في العراق مع تدهور الأمن فيه، وأكد في الوقت ذاته على تدفق الأموال الخليجية إلى الأردن ليحافظ على استمرار النظام الملكي البريطاني فيه.
الموضوع إذاً: بُعد مؤامراتي جديد في لعبة جديدة لسيناريو قادم، بدأت تلوح آفاقه التي طالما طالبت بها ”إسرائيل” عندما تمّ حشد الرأي لكذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2003.
ويعيد إلى الذاكرة مأساة تدمير العراق بعدوان أميركي ـ بريطاني ـ عربي فاضح وقح متوحش غاشم، شارك فيه بعض أبناء العراق، ويرسم في الأفق توجهاً متوحشاً نحو عدوان مشابه على سوريا، تقوم به أطراف موسَّعة من الطينة ذاتها، بمن فيها بعض أبناء سوريا، بهدف تدمير ما تبقى من هذا البلد الذي يمثل آخر معقل للعروبة وأحد أهم حصون الإسلام، بشعبه وتاريخه وتراثه وثقافته ومكانته الحضارية… ومنذ سنتين ونيف تحاصَر سوريا وتنهَك وتنتهك حدودها وحقوقها، وتأكلها نار الحرب الدائرة على أرضها بين أبنائها ومعهم من يساندهم، وتُستَهدَف في البلاد مواقع القوة لكي يسهل على من يدبر العدوان تنفيذ المخطط التدميري الذي يعيدها إلى عصور التخلف الأولى، بأقل الخسائر. وفي الوقت الذي يتم فيه حشد قوة التدخل وتدريبها وتأمين النوعي من عتادها، وتهيئة المناخ السياسي في الدول المحيطة بها، وترتيب التحالفات والأدوار وتقديم الضمانات والإغراءات للمترددين… يتم الخداع والتنسيق التمويه لضمان حدوث المفاجأة الكاملة الشاملة، ويستمر الكلام عن الحل السياسي المرجَّح والإعداد للتدخل الدولي المسلح الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، دولة العدوان والإرهاب والرعب النووي والخروج على القانون الدولي.
الوضع المختلف في الحالتين العراقية والسورية اليوم هو وجود قوة دولية على رأسها روسيا الاتحادية في طرف مقابل للقوة العدوانية الأميركية التي لم تعد تهيمن على السياسة الدولية، وتلك القوة لا تكتفي بالرفض السلبي لموقف الأميركيين وشركائهم، كما فعلت دول منها روسيا وفرنسا في إبان العدوان على العراق، وإنما تعلن الرأي والموقف، وتستخدم حق النقض ”الفيتو”، وتحشد القوة لتقول: ”لا… ذلك خط أحمر… ولن تتكرر المأساة”.
أما منظمة الأمم المتحدة، فمنذ نشوب الأزمة السورية، فلم تتقدم خطوة إلى الأمام نحو مصلحة الشعب السوري وتجنيبه الويلات والمآسي، وبدل أن تكون الحل الكامل للأزمة وليس جزءاً منه، حرصت على أن تكون كل المشكلة في الأزمة، مُعمِّقةً بذلك المآسي والآلام التي يكابدها الشعب السوري، ولولا استخدام كل من روسيا والصين حق النقض ”الفيتو” في مجلس الأمن لكانت سوريا أثرًا بعد عين قبل عامين ونيف، ولأبيد الشعب السوري عن بكرة أبيه.
فقد حذرت سوريا مراراً من إمكانية استعمال بعض فصائل المعارضة (وجبهة النصرة تحديداً) للأسلحة الكيماوية، فكما هو معروف فإن ”جماعة النصرة” هي ذراع القاعدة في سوريا والأخيرة تمكنت من تصنيع بعض الأسلحة الكيماوية في مناطقها في أفغانستان، هذا بالإضافة إلى سيطرة بعض هذه الفصائل على مواد كيماوية من أحد المواقع السورية. كان التحذير الأول في 8 ديسمبر في عام 2012 من خلال رسالة لوزارة الخارجية السورية أُرسلت للأمين العام للأمم المتحدة، ثم توالت التحذيرات بعد ذلك ولكن لا حياة لمن تنادي!
ومثلما خرجت المنظمة الدولية من البوابة الكبرى للمؤامرات القذرة في مجلس أمنها ضد العراق يوم أن ألقى ”كولن باول” وزير الخارجية الأميركي في الولاية الأولى لجورج بوش ”الصغير” كذبة التحريض والفبركة الأولى أمام المجتمعين والعالم، ها هي منظمة الأمم المتحدة تحاول الدخول من البوابة ذاتها في استعادة سريعة لما سبق أن مارسته ضد العراق من خلال ما صرّح به ”بان كي مون” أعرب عن ”صدمته” لهذه المزاعم و”كرر عزمه على إجراء تحقيق معمق حول الحوادث المفترضة التي تبلغها من دول أعضاء” في المنظمة الدولية.
فقد ذكر ” كي مون” أن خبراء الأمم المتحدة الذين باشروا مهمتهم الاثنين الماضي ”يجب أن يتمتعوا بحرية تحرك كاملة في الأماكن” التي يعتقد أن أسلحة كيميائية قد استخدمت فيها ”لكشف الوقائع بشكل موضوعي”.
ويتألف فريق مفتشي الأمم المتحدة من نحو 20 مفتشاً برئاسة السويدي ”اكي سيلستروم”.
وأوضح ” كي مون” أن على هذا الفريق ”التحقيق في الوقت نفسه” في ثلاثة مواقع بينها خان العسل قرب حلب حيث تؤكد الحكومة السورية أن المعارضة استخدمت أسلحة كيمائية هناك في التاسع عشر من آذار ما أدى إلى مقتل 26 شخصاً على الأقل بينهم 16 جندياً سورياً.
المراقبون العشرون سيعملون على الأرض السورية وفق المعايير السيادية التي وافقت عليها الأمم المتحدة، ومن المأمول أن يقوموا بعملهم بطريقة مهنية وعلمية دقيقة وصحيحة، وهو ما سيظهر الوقائع والحقائق كما حدثت ووقعت تماماًً، الأمر الذي نعرفه كمواطنين سلفاًً، إذ إن الذين استخدموا كل وسائل القتل والتدمير معروفون بأسمائهم وأماكنهم وأعمالهم وأفعالهم الإرهابية، وربما تكون اللجنة العلمية أحد البراهين الجديدة التي تقدم للعالم الغربي عبر علمائه ومفتشيه ومراقبيه وتظهر من جديد قدرة سورية ودورها في الصمود بوجه الإرهاب والتصدي له وتصميمها على هزيمته رغم كل الدعم المباشر المقدم من الحكومات الغربية التي تكذب على شعوبها وتحول ضرائبه المالية إلى خدمة الإرهاب وما يمكن أن ينعكس على الحكومات الغربية في وقت لاحق.
ان مهنية وموضوعية وحيادية فريق التفتيش الدولي مسألة في غاية الأهمية وهو ما يجب أن تأخذه السلطات السورية بعين الاعتبار نظراً لخطورة النتائج المترتبة على الخلاصات التي سيصل إليها الفريق المذكور، ونتائجها على صعيد الأزمة وفي المحافل الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي الذي ـ كما أشرنا ـ لا يحق لأعضائه الدائمين استخدام حق النقض أو الفيتو تجاه أي مشروع قرار يتعلق باستعمال الأسلحة الكيميائية أو القضايا الإنسانية، من هنا تأتي أهمية أن يكون إلى جانب فريق التفتيش الدولي فريق مهني سوري متخصص وعالي الكفاءة، لمتابعة عمله والاطلاع على ما يقع بين يديه من عينات بخاصة وأن بعض المناطق التي ستخضع للمعاينة تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة منذ فترة ليست بالقصيرة ما يضع الكثير من الاحتمالات بالعبث أو التلاعب في معطيات التحقيق المادية والعينات التي تتم معاينتها والتدقيق فيها وتحليلها وصولا إلى مصنعيها ومستخدميها.
لقد كان موضوع الأسلحة الكيميائية البوابة التي نفذ منها الغرب للتدخل في الشأن السيادي العراقي، وهي مسألة حاضرة في ذاكرتنا ووعينا الجمعي ولا تخفى على ذي بصر أو بصيرة، بخاصة وأننا أمام عدو لا يحترم شرعة أو شريعة، فالغاية لديه تبرر كل الوسائل، ومن أجل مصالحه يدوس على كل المبادئ والقيم.
ومع أنني لم أعايش أو أقرأ في تاريخ من تسلموا منصب الأمين العام للمنظمة الدولية، ولا في سيرة كل منهم الشخصية والسياسية والأممية من هو أكثر تبعية من ”بان كي مون” لأميركا وسطوتها وجبروتها، وليس بينهم من بلغ مبلغ ”كي مون” في الانقياد السياسي الأعمى لأميركا والغرب، ولا حتى من هو أكثر منه تفاهة وهزالاً سياسياً في ممارسة وظيفة الأمانة العامة بما تفترضه من النزاهة والحياد… مع ذلك كله، فإنني أعتقد أن ”كي مون”، لم يدرك حقيقتين اثنتين مهمتين:
أن موازين القوى العالمية تتغير بسرعة وبثبات باتجاه انزياح الهيمنة الأميركية على القرار الدولي.
والسؤال: ما الشرعية التي استندت إليها الولايات المتحدة في تحديد إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية من عدمه في بلدان أخرى؟ وما الذي تقوله الأمم المتحدة بشأن هذا التدخل السافر، وهل تقبل تدخلاً في شؤونها وتجاوزاً لصلاحياتها كالذي تفعله الولايات المتحدة، ولاسيما أن الجميع يعلم أن ما تقوم به أمريكا هو من اختصاص الأمم المتحدة؟
يقول كبير محققي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ”كارلا ديل بونتي”: ”وفقاً للشهادات التي جمعناها، استخدم ”المتمردون” في سورية الأسلحة الكيميائية واستفادوا من غاز السارين”… إذاً، مرة أخرى يؤكد أحد ممثلي الأمم المتحدة أن ”المتمردين” في سورية هم من استخدم الأسلحة الكيميائية، وليس الحكومة السورية. كما أشار العديد من المحللين إلى حقيقة واضحة مفادها أن الحكومة السورية لا مصلحة لها في استعمال الأسلحة الكيميائية، ولاسيما أنها قادرة على الوصول لأهدافها من خلال استخدامها أسلحة تقليدية.
إن أكاذيب ”أوباما” تشبه إلى حد كبير ما درج ”بوش” على ذكره لتحقيق أهدافه الدنيئة في منطقة الشرق الأوسط، لكن أكاذيبهما باتت الآن مكشوفة لدى الرأي العام الأمريكي، إذ تعارض أغلبية الأمريكيين التدخل العسكري في سورية، ويتخوفون من إعطاء مساعدات عسكرية مباشرة للمتمردين هناك تحت أي مسمى ولأي هدف كان.
لقد تجاهل ”أوباما” وسلفه السابق ”بوش” الأمم المتحدة التي عدّت أفعاله ضرباً من الجنون لا مسوّغ له، فأوباما خسر الكثير من مصداقيته فيما يخص الأزمة في سورية متناسياً حقيقة مهمة وهي أن بقاء الرئيس ”بشار الأسد” واستمراره قوياً ما هو إلا إذلال لدبلوماسية ”أوباما”، وتالياً إضعاف هيبة وقوة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الخارج، والأهم من ذلك ولاسيما في المرحلة الراهنة نيات الإدارة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وسورية بشكل خاص، والتي لا تبدو صافية على الإطلاق إذ تسعى جاهدة إلى تدمير العلاقات الدبلوماسية بين سورية وجيرانها مثل الأردن ولبنان وتركيا التي كانت لها روابط وثيقة مع سورية وذلك من خلال تهريب الأسلحة والمسلحين الأجانب إليها عبر أراضي تلك الدول، الأمر الذي ساعد على إطالة أمد الأزمة في سورية، وساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة التي لم تشف بعد من جروح حرب العراق.