الملك والحكومة والنزاهة الوطنية




فرح العديد من المواطنين ؛ وأنا من بينهم ؛ عندما أقرت الحكومة نظام التعيين بالمناصب القيادية ، وتوسمنا خيرا عندما سمعنا دولة الرئيس يقول ""حكومتي ستكون طاهرة ونظيفة""، وتوقع البعض أن الحكومة ستشرع في تنفيذ الرؤية الملكية بتطوير وتحديث منظومة متكاملة وفاعلة للنزاهة الوطنية تشكل ركنا أساسيا في نجاح مسيرة الأردن الإصلاحية الشاملة .
الأردنيون إعتقدوا ؛ وبما لايدع مجالا للشك ؛ أن حكومتهم العتيدة ستنقذ البلاد والعباد من آثار المشاريع التدميرية للدولة الأردنية وعلى رأسها مشروع التحول الاقتصادي والاجتماعي وتداعياته ، ومشروع دمج البلديات ؛ الذي حول مدننا وقرانا إلى "مزابل مفتوحة" لنفاجئهم بمشروع تدمير القطاع العام (الهيكلة) الذي كلف خزينة الدولة الأردنية ما يزيد على (700) مليون دينار أردني ، ناهيك عن تهجير الكفاءات الوطنية وإلحاق الأذى النفسي لمعظم موظفي القطاع العام ، إضافة الى تعطل وتدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
الملك يوجه الحكومة نحو الإصلاح والنزاهة الوطنية وتكافؤ الفرص أمام الأردنيين وهذه ركائز الطهارة ، لكن الحكومة ومن خلال بعض وزرائها تصر على غير ذلك ؛ فحساب السرايا يخالف القرايا !!! .
عندما أعلنت الحكومة عن حاجتها لتعيين عدد من المناصب القيادية الشاغرة، افترضنا حسن النية ، رغم ان النظام الذي جرت على أساسه المنافسة كان أعرجاً ، ذلك انه يفتقد للمعايير العلمية والموضوعية للاختيار، ومع ذلك تقدم عدد من المؤهلين لشغل هذه الوظائف وكنت من بينهم، وقد أعلمني احدهم بأن ترتيبي الثاني من بين المتأهلين للمقابلة ، والمفاجأة ؛ أنه لم يتم إستدعائي للمقابلة ولا حتى زميلي الذي كان في المرتبة الأولى ؛ فكانت الفضيحة المدوية والمخلة بالنزاهة الوطنية والتي نشرت للرأي العام الأردني في كافة وسائل الإعلام ، وكنا نتوقع أن تكون كافية لإسقاط الحكومة !!!، تعيين صهر الرئيس وتعيين منافسيه في مواقع لم يتقدموا اليها وتخصصاتهم مغايره لمتطلبات إشغال الوظيفة ... والقضية منظورة أمام القضاء الأردني العادل .
إعتقد الأردنيون توبة الحكومة وتطهرها بعد فعلتها الشنيعة من خلال غسل جماعي وفتوى من وزير أوقافها ؛ الذي يفترض أنه ذكر زملاءه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " : من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله "!!!.
تقدمت ثانية لشغل إحدى الوظائف القيادية الأخرى ، وفي المقابلة ؛ رأيت العجب العجاب ، وزير غير مختص يسأل بسطحية عن المهارات الإدارية والقيادية لشخص متخصص في التدريب على هذه المهارات ؛ ومحاضر دولي في هذا المجال ومقيم للعديد من جوائز التميز المؤسسي العربية وكاتب في الصحف والمواقع الالكترونية إضافة الى قيادته لفريق أنجز أهم استراتيجية لمؤسسة وطنية بشهادة العديد من المختصين ؛ وبالمقابل ؛ تمنح علامة لا يعرفها المرشح ؛ ولايمتلك المرشح معرفة الاوزان والدرجات التي حصل عليها على كل محور من محاور المقابلة ؛ وبالتالي سبب استبعاده ، والذي أعرفه ؛بصفتي خبير للتطوير المؤسسي ؛ أن الطهر يعني تكافؤ الفرص والشفافية في كل مرحلة من مراحل الإختيار، فهل حقا ماجرى يعد تطبيقا للنزاهة ، أم ترسيخا للسلطة التقديرية التي تعكس الأهواء الشخصية للجنة المقابلة ؟! .
المفاجأة في قرار اللجنة الوزارية ، التنسيب بتعيين من هو اقل كفاءة وخبرة للوظيفة الشاغرة ، ويصدر قرار مجلس الوزراء من غير تدقيق او مراجعة ، ولا حتى منح فرصة للتظلم ، وعليه من حقي كمواطن أن أسأل : ماهي معايير النزاهة والشفافية التي تطبقها اللجنة الوزارية في اختيار القيادات الإدارية؛ وكيف توزع علامات التقييم ؛ وهل توجد مؤشرات شفافة للتمايز بين المتقدمين ، والسؤال الأهم : لماذا تم تغييب رقابة مجلس النواب على هذه التعينات ، وما سر سكوت ممثليه عن جرائم الحكومة الإدارية ، ثم هل تستطيع اللجنة عقد مناظرة بيني وبين من اختارته ليطرح كل منا رؤيته الإستراتيجية للموقع الذي رشح له وعلى رؤوس الأشهاد ؟!. .
وفي الختام ؛ وبعد أن نقول " حسبي الله ونعم الوكيل من كل مسؤول ظالم" ؛ نعود لطرح تساؤلنا الرئيس : ألا يعتبر ما قامت به هذه الحكومة من خلال لجنتها الوزارية إختراقا سافرا لمباديء النزاهة الوطنية ، وهل هذه الحكومة تستحق فعلا ثقة الملك لصياغة و تطبيق ميثاقا للنزاهة الوطنية؟!.
a.qudah@yahoo.com