مصر الى أين؟
ها هي الاحداث تتسارع في مصر. خبر وراء خبر وحدث وراء حدث. ولكن النتائج في الافق غير واضحة المعالم. فالشعب المصري او جزء منه يحاول اسقاط مبارك ونظامه السياسي من جهة . والنظام المصري برئاسة حسني مبارك يحاول ترقيع الامور من جهة اخرى من خلال تعيين نائب للرئيس وتشكيل حكومة جديدة تنظر الى مطالب الشعب بعين العطف وتحقيق مطالبه في العيش الكريم. وما بين هذه الجهة والجهة الاخرى تدخل وسائل الاعلام معمعة السياسة وتناقض الاخبار. فها هي الجزيرة من قطر تنقل الحدث كأن التغيير قاب قوسين او ادنى مع تحامل على الحكومة المصرية لمحاولة اسكاتها والغاء تراخيصها والمصرية من جهة اخرى تحاول نقل الحدث كأنه مظاهرات سلمية لا ترقى الى المستوى الجماهيري ذو الاغلبية. ولكن السؤال الذي يجب طرحه. هل سيحصل التغيير الذي ينشده الشعب المصري واقصاء الرئيس المصري عن سدة الحكم ام سيتشبت الرئيس ذو الخبرة العسكرية والحنكة السياسية بمنصبه والرضا بالتغييرات الصورية التي يقوم بها بوضع رجالاته في مناصب الهدف منها ارضاءه وارضاء المجتمع الغربي واسرائيل نتيجة الضغط الخفي من تلك الدول ودول اخرى عربية تدعم النظام المصري الحالي؟
وان من اهم الاسئلة التي يجب ان توجه الان وهو هل سيسير الرئيس المصري الى النهاية في تحمل الضغط الشعبي والدولي والحفاظ على على التأييد العسكري للجيش المصري وضرب جميع المطالب الشعبية عرض الحائط مهما كلف الثمن؟ على اعتبار ان عدد المتظاهرين نسبة قليلة من مجموع سكان مصر الذي يناهز الثمانين مليونا. ام ان الجماهير الشعبية سيكون لها النفس الطويل في التظاهر وتأكيد مطالبها والاستعداد بالتضحية باي شيء في سبيل التغيير في الحالة السياسية والاجتماعية والتخلص من الفقر؟
دون ان احاول الاجابة على الاسئلة السابقة والتي تبقى مؤشراتها ضعيفة في تكوين مستقبل واضح حتى هذه اللحظة ولكن ارى من وجهة نظري ان الامر لن يعود كما كان قبل اندلاع المظاهرات حتى لو انتهت باي نتيجة. ولو فرضت ان النهاية لها هي الرضوخ للامر الواقع وعدم وجود استجابة حقيقية من النظام المصري لتنفيذ مطالب المتظاهرين واقول لن يستطيع تنفيذها بعصا سحرية لأن الضائقة السياسية والاقتصادية التي تعم مصر هي نتاج تراكمي لسياسة الحكم الواحد والتنفذ باموال الدولة دون رقيب او حسيب لفترات طويلة. هذا التحكم افرز اناسا على درجة كبيرة من الثراء واناسا اخرين على درجة عالية من الفقر. والنسبة الفقيرة الغالبة في المجتمع المصري اصبحت لا تخشى شيئا من ان تفقده. والفئة القليلة المتنفذة يوجد عندها ما تخشاه.
ولو تم الكهن مجازا ان الرئيس المصري قد تنح عن الحكم وظهرت حكومة انتقالية جديدة وتم تحديد موعد للانتخابات الحرة النزيهة فالسؤال المطلوب طرحه هو: هل فعلا ستكون الانتخابات نزيهة وحرة وتلبي متطلبات الشعب في ظل تناحر القوى السياسية التي كانت اصلا لا تمثل الغالبية العظمى من الشعب المصري على فرض ان الاجهزة الامنية الرسمية والمدنية والمؤسسات العسكرية خارج هذه المعركة السياسية واتباع الحزب الوطني الحاكم والتي تشكل نسبة كبيرة لا يستهان بها؟ وهل ستكون العملية السياسية مبتورة تفتقد لاهم المقومات الرئيسية الا وهي القائد ذو الاغلبية والمتحدث والمتناغم مع جميع الاطراف السياسية في مصر؟
ولا بد لنا ان لا نغفل العلاقات المصرية الدولية وخاصة معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي لن تسمح امريكا او اسرائيل ان تهدد او تلغى لما لها من عواقب وخيمة على استقرار المنطقة في ظل حكومة جديدة قد تتنكر لها او تضرب ببنودها عرض الحائط. وايضا العلاقة المصرية العربية التي كانت وما تزال تلعب دورا فاعلا في استقرار المنطقة العربية من خلال سياسة ارضت الانظمة العربية وكسبت ودها مقابل شعوب وقفت موقف المستنكر والغاضب لهذه السياسة.
ان مصر ليست كتونس كما يدعون الا من خلال التشابه السطحي في الية خروج المواطنون الى الشارع والتنديد والطلب والتذمر ولكن بن علي ليس كمبارك ذو الخبرة العسكرية والحنكة السياسة ووضع مصر الجغرافي والسياسي والتركيبة الاجتماعية له تختلف تماما عنه في تونس. وانا اعتقد انه لا يجوز التشبيه في جميع الاحوال.
ان التغيير الديموقراطي والسياسي والاجتماعي والقتصادي يجب ان لا يبنى على العواطف والتفكير الاني واللحظي او ان يكون الشارع لغرض تصفيات الحسابات بين القوى السياسة وانما يجب ان يكون نابعا من منهجية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ومخطط لها يكون الهدف منها فعلا الاصلاح والرخاء للشعب المصري. وانا اعتقد ان هذا لن يتحقق على المدى القريب من خلال التغيير الكلي للحكم والانتقال الفوري من حالة الى اخرى مما قد يسبب الارباك للمؤسسات الوطنية والتوقف او حتى التراجع في مستوى التطور وعدم وجود الوقت الكافي لاجراء اي تعديل او تطوير وان يتم سحب البساط من تحت ارجل هذه القوى ليتم استبدالها لاحقا بحكم واحد منفرد اخر يسعى فيه الشعب الى الامن والامان بدل لقمة العيش والخوف منن المستقبل.
وهذا التغيير اللحظي والسريع لا بد ان يقابله تغيير منطقي والسير مع الحكومة الحالية مع ابقاء الضغط الشعبي والحفاظ على مكتسبات وممتلكات مصر والمشي بها خطوة بعد خطوة وعدم ايجاد طريق للفراغ السياسي القاتل لطموحات كل الشعوب.
ان ما سنراه خلال الايام او الاشهر القادمة سيلعب دورا مهما ليس لمصر وحدها وانما لكل الشعوب في المنطقة.