جانب من الحياة



عندما نكون في الصّحراء فإنّنا نرى الماء الملوّث الذّي في حوزتنا على أنّه عذب مستطاب ؛ لأنّنا بأشدّ الحاجة إليه،فمن دونه نصل إلى هلاك محتّم أو موت مؤكّد ، ومن هذا التشبيه البسيط أبتدئ الحديث عن واقع مشاهد في مجتمعاتنا السّياسية العالمة بكلّ الأمور والتي تفقه بما يدور في العقول .

الكثيرون يتحدثون عن الفساد والمفسدين ويلقي التّهم والشّكوك حتى وإن فقد الدّليل ولم يلاقي النّصير والمعين ، فمن الأجدر بنا قبل البدء بمحاسبة الآخرين أن نطبّق ذلك على ذاتنا ، وأن يتساءل كلّا منّا التساؤل التّالي :
" هل أنا فاسد ؟! "
سؤال إجابته بينك وبين نفسك مهمة ، فإن كان الجواب بلا ؛ أنا إنسان صالح ؛ فنعم القناعة التي أوصلتك إلى هذه الإجابة . وإن كان الجواب بنعم ؛ فابحث عن العطب والخلل وأصلحه بأن تقوّمه لتكون في مقدّمة المصلحين ؛ حيث البدء من النفس واجب ومطلب وأساس لبناء شاهق عظيم .

فساد الأشخاص لا يقتصر على منصب واختلاس وواسطة وانحياز ، بل ما أقصده مفهوم أعمق من ذلك بكثير ، فنصل من خلاله إلى ذاتنا المطلقة ، وضميرنا في داخل أنفسنا ، وأفعالنا بمجمل أعمالنا وأفعالنا في حياتنا .

ينبغي على الجميع أن يتوقف قليلا مع نفسه ، فيتفكر فيها ويصلحها وبعد ذلك يمضي بها إلى حيث الأمر محمود والنّجاة واجب محتّم مطلوب ، فإن فعل كلّ واحد فينا ذلك سنصل إلى ضالة خير أردناها بعد أن بحثنا عنها طويلا ، فيغدو الطريق حينها يسيرا ، ويختفي العناء حتى لو كانت المشقة أمرا عسيرا ، فقط يجب أن يشعر أحدنا بالمسؤولية ويكفّ عن إلقاء الإتهامات ليكون هو البريء وغيره المخطئ الذّليل .

الكبير ليس بالضرورة أن يبقى كذلك إن أخطأ واستمرّ في الخطأ ، والصغير يستطيع أن يكون هو الكبير بحكمته وحسن تدبيره للأمور ونظرته الثاقبة لعواقب الأفعال بالدّهور ، ومكانة الكبير تبقى محفوظة بالعيون إن تراجع عن فعل قبيح وعلم أنّ الإحسان طريق السّعادة وأن الصّواب مسار العدالة ، فليست الأعمار بالمقياس بقدر أن الأفعال ترشدنا إلى معيار صحيح .

معادلة الحياة تقتضي أن ننظر إلى الأمور ببساطة فلا نعقدها إلّا إذا أردنا أن يكون عيشنا محزون ، فعلينا أن ننظر إلى الجانب المضيء حتى إن رأينا أمامنا ظلاما سحيق ، وأن نبحث عن الإيجابية حتى إن وجدنا السّلبية ، وأن نواجه أنفسنا بالواقع دون أن نسمح لأحد بأن يتغلغل إلى جذور يفسد فيها حياتنا ويعكّر صفو عيشنا وأماننا ويهدر بأعماله مكتسباتنا ومقدراتنا ، فلا نسمح لأحد أن يقوم بسفك دمائنا ، فالبناء موجود والتّراجع عن الإعمار حتما مرفوض.