الثقة بالجهاز الحكومي



ايجابيات كثيرة صاحبتها المطالبات بمحاربة الفساد والكشف عنه ،فشعور الموظفين والمسؤولين او غيرهم سواء كان في موقع المسؤولية او اي موقع اخر بأن هناك جدية وأرادة سياسية في مكافحة هذه الآفة،جعلهم اكثر حرصا في الـتأكد من ان القرارات التي يتخذونها تتماشى مع الأنظمة والقوانين ،وانها تتم بشفافية وعدالة ،كما ارهب ذلك العديد ممن قد تسول له نفسه استغلال اية ثغرات سواء بالتشريعات أو الأجراءات لتحقيق منافع شخصية او الأعتداء على المال العام ، ونظرا لأن كافة المجتمعات في العالم تضم في معظمها الخيرين الذين يعملون بأخلاص وأمانة ، والقلة القليلة التي لا تتمتع بهذه الصفات فأن الاستمرار بنهج مكافحة الفساد من شأنه ان يحد بشكل كبير جدا من تجاوزات القلة القليلة التي تتم هنا وهناك.

وعلى الرغم من الايجابيات الكبيرة لمكافحة الفساد، وتحويل العديد من القضايا التي تم اكتشافها الى المحاكم ،الا ان تضخيم البعض للعديد من القضايا الاخرى والحكم المسبق على العديد منها ،جعل العديد من المسؤولين السابقين يبتعدون عن الأعلام ويلتزمون الصمت دون بيان الحقائق والانجازات تخوفا من تشويه صورتهم وتاريخهم ،مما ادى الى استقبال المواطن المعلومات من جهة واحدة دون غيرها وخروجه بأنطباع أن كل ما يقال هنا وهناك صحيح بالكامل وبعكس ذلك لقامت الحكومات ببيان الحقيقة ،كما ان التخوف المذكور اعلاه قلل كثيرا من اطلاق المبادرات من قبل الجهاز الحكومي وجعل العديد من المسؤولين يبتعدون عن الأجتهاد وتجنب اتخاذ اية قرارت جذرية قد يتبين فيما بعد انها لم تكن مناسبة وتجنب تبني اية اجراءات تطويرية تتطلب طرح عطاءات قد يتبين فيما بعد ان كان يشوبها فساد،كما جعل ذلك العديد من المسؤولين يميلون الى أتباع سياسة "تسيير اعمال "وحمل شعار "سكّن تسلم". مما اخر انجاز العديد من المشاريع وأدى الى انخفاض عدد المشاريع التطويرية بشكل كبير،وهذا بلا شك له اثرسلبي كبير على تحقيق النمو الأقتصادي المستهدف ،وقد يكون التعامل مع المشاريع الممولة من المنحة المقدمة من مجلس التعاون الخليجي احد الأمثلة على ذلك.

من حق مجلس النواب كسلطة تشريعية ورقابية اثارة اية مواضيع قد لا يرى انها تسير مع المصلحة العامة ،و القاء الضوء على اية اجراءات او تجاوزات والطلب من الحكومة بيان الحقيقة ،ومن حق الاعلام ايضا كسلطة رابعة كشف اية تجاوزات ونقل المعلومات الدقيقة والسريعة للمواطن ،ومن حق المسؤولين التأكد من ان القرارات التي يتخذونها تتم وفق الانظمة والقوانين وانها للمصلحة العامة ،لكن الأهم من ذلك كله ان من حق المواطن الحصول على المعلومة الحقيقية الصحيحة والدقيقة دون تضخيم أو تجميل، فالمواطن الاردني من اكثر الشعوب تقافة وتعليما ويتمتع بالذكاء العالي والتجارب التي تمكنه من الحكم على عدالة القرارات المتخذة ،ويمكن القول ان المواطن الأردني "يلقطها وهي طائرة".

ما يهمنا التركيز عليه ان تحقيق النمو الاقتصادي بمستويات عالية ،وتحسين مستوى معيشة المواطن الأردني تتطلب الاستمرار في تحقيق الأنجازات واقامة المشاريع الاقتصادية المختلفة ،فلا يمكن التوقف عن التطوير او القبول بتسيير الأعمال فقط ولا يمكن تأجيل وتجنب مواجهة التحديات لتتفاقم في المستقبل ،لان ذلك سيؤدي الى التراجع في كافة المؤشرات عن الدول الأخرى ، فمن حق المواطن ان يرى الأنجازات والتأكد ان المشاريع المختلفة والأجراءات تتم لمصلحة الوطن والمواطن حاضرا ومستقبلا ، وان لايكون هناك تردد في مواجهة التحديات وأتخاذ القرارات التي تهدف الى مصلحة الوطن ، وبنفس الوقت ان لا يكون هناك قرارات متسرعة تكلف الوطن غاليا يتخذها البعض دون دراسة ليقال عنه انه "صاحب قرار" وأن لا يكون هناك قرارات غير عادلة ،فلا بد ان تتخذ القرارات العقلانية المدروسة دون ابطاء بعدالة وشفافية وافصاح وان تكون مبنية على اسس واضحة،

ان اجراء دراسة شاملة لواقع الادارة الحكومية ،واستعراض الأسباب والتحديات التي تواجه هذا الجهاز والتوصل الى المقترحات لأعادة الثقة بالجهاز الحكومي ،ستساعد بشكل كبير في التعرف عن قرب على التحديات والحلول