تصنيع حالة الغضب
تصنيع حالة الغضب
تستعد قوى المعارضة في بعض الدول العربية لتشكيل حالات متسلسلة ومتتابعة من تصعيد الغضب الشعبي مستفيدة من حالة كسر الهيبة لبعض الأنظمة العربية واختراق حاجز الخوف لدى المواطن نتيجة معايشته للتجربة الجديدة في تونس ومصر، ففي الأردن قام وفد من حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن بتسليم رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي (قبل إقالته بساعات) مذكرة تطالبه بتقديم الاستقالة (من اجل فتح حوار وطني يؤدي إلى قانون انتخاب عصري لإجراء انتخابات جديدة)، حيث تصاعدت فعاليات جبهة العمل الإسلامي في الأردن تدريجيا وبدأت بمحاولة تحشيد الجماهير للقيام باستحضار حالة (الانتفاضة الشعبية) للأردن معتمدة على نجاح التجربة الشعبية التونسية ومتزامنة مع ارتفاع وتيرة الغليان الشعبي المصري حيث تصاعدت المطالب في الأردن للقيام بالنشاطات الشعبية المناهضة للحكومة متماشية مع نسب مؤشرات نجاح الغضب الجماهيري في مصر مستغلة بذلك فقدان الحكومة المصرية لخطوط الدفاع واحدا تلو الآخر واستمرار تقديم التنازلات ظاهريا تنازلا يتبع تنازل أمام شعب يزداد صلابة وإصرار على تغيير النظام في مصر .
فاستقراء الحالة واستغلالها من قبل المعارضة في الأردن جاء بعكس الحالة التونسية والمصرية حيث أن المعارضة المؤطرة في تونس ومصر كانتا آخر من يعلم في آلية وتوقيت الانتفاضة والتحقت المعارضة المحزّبة في تونس ومصر وخصوصا حزبا النهضة في تونس والأخوان المسلمون في مصر بعد تفكير عميق ومراقبة للمظاهرات بعد يومين من انطلاقها في 25 يناير بالنسبة لمصر، حيث قامتا بمحاولة ركوب الحالة على عجل واستخدام الغليان الشعبي كحصان طروادة لإيجاد مكان لها في السلطة في المستقبل السياسي الجديد المفترض.
وفي الأردن تحركت جماعة الأخوان المسلمين للتعبئة المضادة للحكومة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية وذلك بعد شعورهم باقتراب قطف ثمار الانتفاضة في مصر بعد تونس لتستطيع الاستغلال المبكر للحالة وتشكيل حالة الوصي على الجماهير مستغلة بذلك مظاهر نجاح الانتفاضة التونسية والمصرية لصالحها، خاصة وهي بحاجة إلى إعادة الاعتبار لها بعد انحسار الدعم الشعبي لها والتهميش الرسمي بسبب تجربة حماس في غزة وعلاقتها مع إيران.
إن الأحزاب والكيانات المنظمة المعارضة بشكل عام في الوطن العربي فشلت في كل محاولاتها السابقة للتغيير بل وفشلت بتشكيل أي حالة للتمرد والعصيان المدني ولم يشهد التاريخ العربي الحديث أي نجاح لأي معارضة دينية أو قومية أو يسارية في أحداث تغيير سوى بالانقلابات العسكرية كما حدث في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، وحتى أن بعض الحركات التي كان يعتقد البعض بنقائها الشعبي مثل حماس قامت بالانقلاب لاستلام الحكم في غزة وانحدرت بالديمقراطية لدرجات سبقت فيها اشد السلطات ديكتاتورية .
هذا كله يدفعنا للتفكير بالدور السلبي الذي تقوم فيه حركات وأحزاب المعارضة بشكل خاص في الوطن العربي، حيث يحتمل أن تقوم المعارضة المصرية المؤطرة حزبيا بلعب دورا تخريبيا في الانتفاضة الشعبية في مصر بعد دعوة مبارك للحوار مع المعارضة، ويعتقد أن المعارضة المؤطرة في مصر ستقوم بالتسرع بسلق وقطف المطالب الشعبية لها بعد وضع الشروط ذات المصلحة الخاصة بالمعارضة كأحزاب وليس كجماهير وسيكون ذلك مباشرة بعد مراقبة نتائج المسيرة المليونية والمخطط لها اليوم، أو ستقوم باعتلاء منصة المعارض المنتصر حال بزوغ الفجر الجديد مهمشة بذلك قطاع الشباب المصري المحايد الذي قام بالثورة.
وفي الأردن تقوم حزب جبهة العمل الإسلامي بحرق المراحل وتشكيل الحالة النظرية للانتفاضة الشعبية الأردنية من خلال تجيير وإسقاط الحالة المصرية نظريا على الحالة الأردنية واستعمالها (كبعبع) تخيف به الحكومة مع إدراك الجميع باختلاف الظروف ونوعية السلطات وتاريخها وكذلك اختلاف المشاكل الشعبية بين الأردن ومصر، وفي اليمن تقوم الحركات المعارضة مثل الحراك الجنوبي وأتباع الحوثي والأصوليون بالعمل على تشكيل حالة الغضب من خلال تقمص الشخصية الثائرة المصرية والتونسيه مع التناقض الكامل بين أقطاب المعارضة أنفسهم.
وبرغم أن المرجعية الأولية في الشرق الأوسط تقوم على أساس وحدة الوطن العربي مصيرا وآمالا مع ما تم به من تقسيم واقتسام له، فأن مائة سنة من بداية الاستعمار كفيلة بأن تجعل لكل إقليم من الوطن العربي مشاكله الخصوصية حيث تتوزع المصائب بين مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنّية واجتماعية تختلف نسبها من دولة لأخرى وتختلف بالمقابل بشخصية السلطة الحاكمة لها وتجاوبها ومكانتها الدولية، فما يصلح للحالة التونسية قد لا يصلح للحالة المصرية وما يصلح للحالة اليمنية لا يصلح للحالة الأردنية، وقد يكون إسقاط حالة على مشروع حالة هو محاولة إجهاض مشروع نهضوي تحت الإنشاء العلمي والعملي .
إن تشكيل الحالة بالمقاربة مع الحالات السابقة بعدم وجود أرضية فكرية خصبة لدى المواطن وبانعدام المشروع الوطني الكامل المستوفي لعوامل النجاح والثبات وقبل تثقيف المواطن واستيعابه بالشكل المثالي قد يؤدي إلى كارثة وفوضى لا يعلم بها إلا الله ولنتذكر التجربة الصومالية كمثال على ذلك، وعلى نخب ومفكري الوطن العربي أن يقولوا كلمتهم في كرة الثلج التي يحاول البعض صنعها وبوجود بعض المشعوذين الذين باتوا يلقون التعويذات لاستحضار الجنّ الكامن في رؤوسنا وإطلاقه في شوارع وساحات الوطن العربي .. ودون الاهتمام بكيفية إعادته أو توطينه في (المدينة الفاضلة) التي لا يعرفون حتى بواباتها.
جرير خلف