التربية والتعطيل




يقول علماء التربية " الطفل إن لم تُشغله أشغلك " وفي هامش هذا القول، ابحث عما يُفيده في انشغاله عنك ، فغداً سيكون امتدادك ، أما في عالم السياسة فالعبارة تُصبح " الشعوب إن لم تُشغلها أشغلتك " وفي هامش هذه العبارة ، ابحث عما يُفتتها ، ويُدمرها في انشغالها عنك ، فغداً ستكون طائعة لك ، وتُتمتم خاشعة خاضعة بما تجود عليها .
كثير من التربويين والسياسيين يعرفون هذه المقولة ، والقليل من الحكام يدركون قوة سلاح هذه المقولة ، ومن أراد أن يعرف ما تفعله أمريكا بنا فليستعرض مشاهد الأحداث التي يعيشها الوطن العربي هذه الأيام ، وليقف أمام نفسه ولو لمرة واحدة سريعة ليعترف كم نحن مشغولين عن غيرنا بابتعادنا عن أنفسنا وعن أوطاننا ، وعن ديننا ، وقيمنا ومرتكزاتنا ، وليتساءل لماذا أشغلتنا أمريكا بكل هذا الدم ، وهذا الحقد ، وهذه الهمجية ، والغريب والمدهش معاً أن القلة القليلة جداً " الحُكام " قد قبضت ثمن هذه الفوضى العاقرة ، والغالبية العُظمى " الشعوب " انساقت واهمة خلف شعارات فارغة لا تحمل في مضمونها إلا تخلفنا ، حتى أصبحنا شعوباً معطـَلة عن فعل الخير ، ومعطِلة لفعله ، فأية جريمة اقترفنا في حق أنفسنا !!!!
هل حقيقة كنا مشروع أمة كان من الممكن لها أن تُشغل العالم ؟ والعالم هنا هو أمريكا ؟ وهل كانت تنمو بداخلنا بذرة خير سوف تصنع لنا مستقبلاً يُعيدنا إلى أيام الزهو العربي فجاء من استبدلها ببذرة شر ؟ إذا لم نكن كذلك فلماذا تتسابق أمريكا والغرب والصهيونية على إشغالنا بما نحن فيه هذه الأيام ؟ فأصبحنا أُمماً وشعوباً وأفراداً يكفر بعضنا بعضاً دينياً ، ونخوّن بعضنا بعضاً سياسياً ، وكلنا قابلون للتفتت ، والتشرذم والضياع ، لقد أصبحنا مشروع أمة مؤهلة للخروج من التاريخ الإنساني ، ونحن اليوم لسنا أحجاراً على رقعة شطرنج كما نتوهم ، إننا اللوح الذي يُكتب على ظهره بالطبشور اسم الفائز ، فالأحجار لها دور حتى وإن كانت لا تتحرك إلا بيد خارجية
هل ما زالت الكلمة تحمل في ذاتها قوة التغيير على هامش قوة التعبير ؟ أم أن الكلمات كلما زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها ، وفقدت معناها ؟ فالأصوات الصادقة كثيرة ، والأقلام الصادقة كثيرة كلها تنبه إلى الخراب الذي وقعنا فيه ، لكن لا أحد يستمع إلى الصوت ، ولا أحد يقرأ الكلمات ، فنحن اليوم كما قال جبران خليل جبران " ويلٌ لأمة كل فرد فيها أمة "
وسلامٌ علينا يوم وُلدنا من أجل أمريكا ، ويوم نسير خلف أمريكا ، ويوم نُغني ونُصفق لأمريكا ، سلامٌ علينا ألفُ سلام.