وليد ابو حسان يكتب :الأردن بعد هروب عوض الله وفي ظل وزراء الصلعة والتويتر

أخبار البلد - يـُشخّص سياسي أردني تناوب على مناصب حصّنت كل من جلس على كراسيها , أن الأردن هذه الأيام عاكس مقولة طالما كانت دراجة بين سكانه وقلب حكمة " لكل زمن دولةٌ ورجال " في وقت تبقى فيه الدولة ويتبدل فيها الرجال بل ويهربون ايضاً , متسائلاً هل انهار حصان طرواده الليبرالي الذي راهن عليه تلامذه كان يشدون سرجه , وهل صدقت مخاوف الشارع الذي اصطف سابقاً الى جانب الوطنيين ,  ليثور من جديد كحمم البركان وينتفض ضد سياسات ذاق الأمرين منها على مدى سنين , ولا ينسى السياسي الذي اتـُهم ذات عهد بأنه رجعي , ان السياسة في الأردن تيار كالسيل مرة يجلب غثاءاً ومراراً يعود لينظف مجراه لحيتان عائدة من رحلة  " الشتاء والصيف " لتجرف كل من في طريقها .

 

وخيار الهروب الذي اختاره احد شبان التجديد, حينما باع أخر موطىء قدم له في بلد  لا تلتزم إلا نهج التغيير في كل شيء ولم تبات وتصبح على مدرسة سياسية واحدة على مر عقود , يثبت ان هبة الشارع لم تكن ضد الحكومات فقط بل تعدتها الى سياسات خلدها سابقون كانوا كالاتراك , حينما تركوا ارثاً يحسبون انهم سيعودون يوماً اليه , وتناسوا ان الشعب ينبش حتى قبور الاموات ليحاسب من اخطأ بحقه ولو بعد حين , في وقت اصبح الجميع في نظر الناس وجهان لعملة واحدة ليبرالي معتدل واخر متشدد , ولكنها ذات العملة على أي وجهٍ سقطت كانت النتيجة اما ليبرالي او اخيه , فلا تتبدل إلا الأدوار فقط , وحركة الهروب هذه شبهها اعلامي كان من المدافعين عن سياسات شبان التجديد , بسقوط جدار برلين وانهزام حقبة لن تعود مدام الشعب يرفض تذكرها حتى .

 

السؤال الذي يطرح ذاته حين نحاول تفسير انغمار التجربة الليبرالية في وقت اصبح العالم اقرب فيه الى تحرر اقتصادي وعولمة أممت الخاص وخصخصت العام : هل ان خروج الليبراليين طوعاً من لعبة الإقتصاد والسياسة في الأردن جاء على وقع هبة الشارع , ام ان الرسالة الرسمية وصلت بوضوح حين حجزت بعض مقاعد الأعيان لهم وتعززت برسالة شعبية عكست آنيين شارع لم يعد قادراً على الصمت , بعد ان تفتت مؤسسات الدولة وضاعت مقدراتها , إلا ان الرسالة التي يقال ان عوض الله فهمها هي ان ماكينة المحاسبة وفتح الملفات و لغة (من اين لك هكذا؟) على وشك الإنطلاق لتحاسب من يعلق بين اسنانها , لاسيما ان التسريبات تقول ان اسنان المشط ستكون متساوية في المحاسبة .

 

والملاحظ ان الإعلام في الأردن وقبله الشارع والنخب اخذوا يتحسرون على سياسات وشخصيات كانت تشعرهم سابقاً بأمان عادوا ليبحثوا عنه من جديد , فلا غرابة ان يشبه الإقتصادي المخضرم / سلامة الدرعاوي في العرب اليوم وزارء الديجتال بمدراء يحسبون اوطانهم شركات , وليس مستهجناً ان تعبر الإعلامية رنا الصباغ عن حسرة النخب والشارع على برلمانات وسياسات سابقة , كانت تراعي اقلها ما اسماه المحلل في صحيفة الغد / محمد ابو رمان بـ " الطريق الثالث " الذي يرسم خطاً متوازناً بين العلاقة الريعية مع الدولة وحاجات السوق الحر من خلال معيار التوازن وعدم الاخلال بالمعادلة .

 

  

وحتى نكون منصفين ونحن نسمع لشارع يطالب برحيل حكومة والغاء سياسات , نجد ان المطلب الأهم والذي يجمع عليه كل الأطياف , المطالبة بحكومة شخصيات وطنية تعمد الكثيرون الاساءة اليها ومعاداتها وتشويه صورتها لدى الشارع , بأنها ليست إلا حيتان تعيش في كل محيط سياستها افتراس اموال ليست إلا من حق الشعب , لكن يبدو ان اسماك القرش التي هاجرت الى هذه المحيطات كان فكها اشد في التهام كل شيء .

 

الى الواجهة عادت من جديد قوى وطنية وان لم يسميها الشارع لكنه يرى فيها المنقذ الوحيد من سياسات ليست رسمية بقدر ما هي سياسات مدراء خدمتهم سياسات التوزير لجيل  " الصلعة والتويتر " الذي شاب شعر الشعب في ظل غياب شعرهم , فهل كان وصفي ووزراؤه يحثون حتى شعر شواربهم كما يفعل وزراء اليوم , وهل كان مجلس النواب في عهد حابس وعبد الحليم النمر ونجيب ارشيدات يمنح الثقة لحكومات جاءت تحمل سيف الغلاء .

 

للإنصاف يمكن ان نسمي حكومة نادر الذهبي بأنها الحكومة الأقرب للشعب في العشرية الأخيرة , فهي لم تنال ثقة فلكية ولم تقر قوانين مؤقتة ولم تصطدم مع الإعلام ولم تصدر قرارات غير شعبية حتى في ظل اعلى ارتفاع شهده سعر النفط عالمياً , وهي حكومة يسميها مراقبون بانها الحكومة " النادرة " ليس نسبةً لأسم رئيسها , بل بإعتدالها حتى في وقت كان وزرائها مقسمون على رئيسهم حين كانوا يجاهرون بإنتسابهم لمدرسة اقتصادية تختلف كلياً مع تلك التي يتبناها الرئيس , وحتى لا يعتبرنا البعض نستحضر الحكومة السابقة , نقول بأنها ليست إلا مقارنة بين حكومتين جاءت الأولى على مشهد يفرض اوضاعاً اقتصادية وسياسية صعبة لكنها استطاعت تسير المركب بسلام , بينما استفزت الأخرى الشارع وتحدته في لقمة العيش , تحت راية ان الموازنة لاتحتمل مجاملة شعب غناه في امنه الغذائي .

 

المبكي والمضحك في ذات الآن , ان من كانوا يسعون لبيع تراب الوطن ومؤسساته , دارت الأيام ولم يجدوا ما يبيعوه إلا بيوتاً بنوها من عرق غيرهم , والمؤلم انهم تخلوا عن تلاميذ تبنوهم سابقاً كأدوات لهم في جهاز الدولة , ولكنهم اليوم هربوا وتركوهم في وجه غربال يصفي ولا يرحم , ولعله الشعب وحده من يتعظ  .