عبقرية الملك المسبقة في معالجة التونسة والمصرنة قبل حدوثها في الأردن

 


اخبار البلد-عمر شاهين-لو أجرينا مقارنة بين الإصلاحات والمواقف السياسية لجلالة الملك عبدالله الثاني وبين ما جرى في تونس ومصر ، لوجدنا أن الملك سبق كل مطالب الشعبين ، وحققها منذ سنوات لشعبه، سابقا الزمن، بعين إصلاح الشيء قبل خرابه، وهذا ما سأشرحه بالدليل وليس بكلام إنشائي.

 ما سأكتبه هو أولا تبينا للعبقرية،السياسية للملك عبدالله ، في توجيه الحكومات، لمنع حالة التأزم، ورفضي تشبيه  المظاهرات الأردنية مع الحالتين المصرية والتونسية وما سيستجد من حالات عربية مشابهة، وهذا ما حاولت بعض وسائل الإعلام العربية أو الموهومين، تزوير حقيقته، لان الفارق شاسع و كبير، ومختلف جذريا ، وما يظهر في الأردن من مسيرات ضد غلاء أسعار ، فرضتها الأزمة العالمية وضعف فرص العمل في الأردن ومختلفة تماما عما يجري في تونس ومصر.

 كل مطالب الشعب المصري أو التونسي أو العربي عموما ، أخذت على حكوماتها مواقف داخلية تتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي ، والموقف الخارجي المتعلق بالموقف من العلاقة مع القضية الفلسطينية والعراقية ، ولا ينحصر غضب الشعوب فقط بالبطالة وغلاء الأسعار بقدر أنها انتفاضة مزدوجة. وضح عنا المنتفضون في مصر وتونس .

كل ما يحدث اليوم ، كان في عقل الملك عبدالله الثاني، وقبل هذه بسنوات وكان يعالجه مقدما،  ويجنب حكومات بلاده أن تصل إلى هذا الحد ،لولا الظروف المستحيلة التي ضربت الشرق الأوسط والعالم،  فقد سعى إلى صناعة العلاج المبكر بالرغم من شح الدخل المادي للأردن ، وصعوبة مواجهة ما تسعى الدول الغربية لفرض قراراتها على الأردن إما بالمنح أو مساعدات الدول المجاورة وذلك لتحقيق خنق اقتصادي يوفر للغرب تسهيل ضغوطها السياسية .

 ثار الشعب التونسي ضد فساد حكومته، واستبداد الأحكام العرفية، والتي تمنع الأحزاب والحريات الإعلامية، وحوربت حتى الشعائر كارتداء النقاب، وفي مصر كان التزوير الأكبر في انتخابات البرلمان الأخيرة..وقانون الطوارئ وآلاف المسجونين،  وإذا عدنا للأردن نرى أن الملك عبدالله ومنذ بداية عهده يحول مدير جهاز المخابرات سميح البطيخي إلى المحاكمة لينهي تسلطه السياسي والمالي لتكون بداية حساب عسيرة لأي مسؤول مهما كبر راتبه.

سعى الملك عبدالله لتغير عدة حكومات متعاقبة ، حتى لا تسيطر فئة معينة كحزب أو نظام على مؤسسات الدولة ، والشعب، ورافق هذا تغير مدراء المؤسسات الأمنية، وذلك تبعا لرأي الشارع والإعلام ، ولم يتردد في عام 2009 أن يحل مجلس النواب حينما وجد عدم تفاهم بينه وبين القوى السياسية ، وكان قبلها قد أقال مدير المخابرات العامة الجنرال محمد الذهبي و رئيس الديوان الملكي باسم عوض الله بعد اختلاف الشارع على تصارعهما.

الملك عبدالله لم يكتف فقط بتغير الحكومات، بل سعى إلى اختيار نوعي لتلك الحكومات ، وذلك لتنبهه المبكر إلى العجز في الموازنة، وبداية التضخم،فتنوعت الحكومات بين التكنو قراط، والاقتصادية والعشائرية والقادمة من الجيش ، وكانت تتوزع جغرافيا وعلميا،لقراءة أفضل الأنظمة التي من الممكن أن تستعمل لقيادة الإنقاذ الاقتصادي، فوجد الملك انه في حالة مثل الأردن ومحدودية الموارد والصناعة لا يوجد طريقة سوى بإحضار الاستثمار الخارجي، وحتى ازدياد حجم الدين جاء ضمن ظروف قاهرة وليس تقصير داخلي.

حتى مشاريع الخصخصة في الأردن والتي فرضت عالميا ، وضمن توصيات صندوق النقد ، لم تتوجه إلى شركات داخلية ، أو لسياسيين، بل إلى شركات خارجية كبرى،طورت من أدائها، وطوال فترة حكمه، تمتعت الأحزاب بحرية التحرك، بل حصلت على دعم مالي، وشكل حوارات كبيرة، أهمها الأجندة الوطنية، وفي المقابل مؤسسات مكافحة للفساد ، ورفض أي تضيق على حرية الصحافة بدء من الصحافة الورقية، ولن ينسى الإعلاميون تلك الهمسة الملكية في إذن طارق المومني نقيب الصحافيين في ذلك الحين أثناء فطور رمضاني حملت همسة :" لن يكون هناك تضيق على الإعلام وخاصة الالكتروني".

مشهد آخر ، فالملك حاول دوما جلب اقتصاد كبير للأردن وها هي العقبة وعمان تمتليئ بالمشاريع والاستثمارات، وبقي عائق الأعمال البسيطة، وهناك مئات الصور التي تعرض زيارات الملك إلى القرى النائية، والمدن والمحافظات ، والتقطت له مئات الصور وهو يعانق أطفال ومسنين ، في مشهد قد يكون فريد وخاص له ولوالده الحسين رحمه الله، وقبل أن تتأزم المديونية ، كان جلالته يقدم للموظفين والعسكريين دعم مالي بمناسبة الأعياد، وكثيرا ما قام إعفاء أقساط الطلبة وتوزيع كنزات ومدافئ ، ووجبات طعام يومية، وهذا لم يسبقه له زعيم عربي حتى من قيادي الدول الثرية, وفي الأردن عشرات الجامعات الحكومية والخاصة، وقد لا تخلو أسرة الآن من طالب جامعي في بيتها.

داخليا وبعين أي خبير اقتصادي وسياسي يدرك أن الملك قدم إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة، سبقت أو لنقول جنبت شعبه وحكوماته، ما يعيشه اليوم الكثير من الثائرين في عواصم تونس والقاهرة واليمن وغيرهم، فكل ما يطالبونه  حققه الملك لشعبه ، وحتى مظاهرات الجمعة في عمان ، تعترض على غلاء أسعار ولكنها تستذكر كل ما قدم من قبل عبر جلالة الملك ولكنهم غاضبون من تقصير الحكومات في تنفيذ الخطط الملكية.

حسنا لأناقش الملف الخارجي ، فنظام تونس قمع الحريات الداخلية ، وقمع الإسلاميين، ووضع نفسه بحضن الغرب ، وشكل إغلاق معبر رفع من قبل مصر احد أسباب غضب الشعوب على حكوماتهم.فنالت الدولتان كرها عربيا وإسلاميا لمواقف حكومتهم مما اغضب شعوبهم.

الأردن استوعب هجرات الفلسطينيين في أعوام 1948 و 1967 و 1990 من الكويت، وأعطاهم حقوق ما يأخذه  الأردنيون ، وقدم كل ما يملك لدعم فلسطيني الداخل ، ولم يبادر يوما إلى إغلاق الجسور، وقدم المستشفيات الميدانية في غزة وآلاف المساعدات العينية، ولا يترك الملك عبدالله محفلا وإلا ويدافع به عن القضية الفلسطينية. ولم يحارب أي حزب إسلامي أو يعتقل منتسبيه مثلما يحدث في مصر وتونس ، سوى من يصل إلى التطرق والإرهاب.

ولا يستطيع احد تجاوز موقف الأردن النموذجي مع العراق، عبر استيعاب الهجرات من الناس البسطاء أو حتى القيادات السياسية بالرغم من شح مصادر الأردن الغذائية والمائية، وكذلك وقف الأردن وسطا في أزمات لبنان ، واليمن، وهذا ما نستخلصه من حزب الله أو حماس أو أي حركة مقاومة لم تتعرض يوما للأردن بالإساءة وذلك لموقف جلالة الملك عبدالله المنصف.

احتاج إلى تأليف كتاب كبير ، ولن يتسع لي مقال للحدث عما قدمه الملك عبد الله الثاني،للأردن داخليا وخارجيا، وقدم منذ سنوات ما تطالب به الشعوب الثائرة يوما، لذا من يقارن تونس ومصر في الأردن عليه فقط أن يقرا الأردن بقراءة عقلانية ليجد أننا حققنا الكثير بالرغم من كل الصعاب التي قفزنا عنها.

Omar_shaheen78@yahoo.com