بيروقراطية القُضاة


من المتعارف عليه أن الجهاز التنفيذي الحكومي يعتبر بيئة خصبة لاستفحال البيروقراطية، ومع ذلك استطاع الجهاز الحكومي من خلال تبنية سياسات خدمة الجمهور، وتطبيق معايير الجودة، أن يُحسن من أداءه، ويتجاوز نقاط الضعف في كثير من الأحيان، وصولا إلى تقديم خدمات في غاية السهولة، وخير مثال على هذا التعافي من المرض البيروقراطي، تطور وتميز أداء إدارة ترخيص السواقين والمركبات، كجهة عسكرية تقدم خدمات مباشرة للجمهور، وأداء الجمارك الأردنية، كجهة حكومية مدنية، في سرعة تقديم الخدمات ووضوح الإجراءات المتبعة لديهم، لتقديم تلك الخدمات لمتلقي الخدمة.
ولكن تعظم المشكلة عندما يكون المرض البيروقراطي مستفحلا في أجهزة السلطة القضائية، ومن خلال التجربة الشخصية في هذا السياق، فقد استمرت إجراءات قضية تصحيح اسم في معاملة متوفى، في إحدى محاكم البادية الجنوبية، إلى قرابة الشهر، بين أول جلسة والنطق بالحكم، إلى البشرى بقرب استلام قرار الحكم، فعند النطق بالحكم قلنا فُرجت، إلا أن رحلة البيروقراطية كانت في أول الطريق، فكانت عملية تسليم صاحب الدعوى لقرار الحكم تحكمها كثير من العقبات، أولها عدم التفرغ لطباعة صفحة على برنامج الوورد تتضمن نص قرار الحكم، ثم تدقيق هذه الصفحة وتوقيعها من سعادة القاضي، ثم تسجيلها في الديوان وتسليمها لصاحب العلاقة، ليقوم بدورة بمتابعة إجراءات قضيته، والتي للآن ننتظر أن نحصل عليها منذ أكثر من عشرة أيام.
عجبا لمن يكون خصمه قاضيا، كيف له أن يحصل على حقه، أو ربما إن سعادة القاضي يحتاج لكثير تأمل واستغراق في النصوص القانونية، لكي يستجلي الحق ويلحقه بأهله أو أن سعادة القاضي يرى انه سلطه لا تعلوها سلطه، فقديما قالوا إن كان خصمك القاضي فمن تقاضي، حتى بدأت أفكر جديا بالتوجه لمحكمة أخرى، وإقامة الدعوى من جديد عند احد القضاة، عسى أن يكون اقل بيروقراطية، أو يكون على الأقل اقل كاريزمية من صاحبنا سعادة القاضي.
عسى الله أن يحفظ لنا هيبة القضاء، بعد أن فقدنا هيبة الأمن.

كايد الركيبات
kayedrkibat@gmail.com