أزمة خلط الدين بالسياسة !

الإستقطاب الذي يشهده العالم العربي هذه الأيام حول السياسة وإدارة الشأن العام ، ينحو في اتجاهين مختلفين : تقليدي أصولي يعتمد الموروث السلفي في تجربة الحكم ، رغم انقضاء زمنه وانحسار واقعه التاريخي ، وآخر يمضي في المسار التحديثي الملبي لإملاءات العصر وشرائطه الموضوعية ، عبر استلهامه تجارب الأمم الحيَّة والمجتمعات المتقدمة ، وقد اشتد عود التيار الديني إثر هزيمة العرب أمام الصهيونية عام سبعة وستين ، فغدا الباب مفتوحا أمام هذا التيار ، لإعادة تفصيل قماشته بمقاس العناوين المطروحة للراهن المعاش ، بما تعنيه من حلول ناجعة وطروحات جديَّة في تصدِّيها للملفات الساخنة ، وعلى رأسها الأمن الإقليمي والأوضاع الإقتصادية والإجتاعية والتعليمية المتردية في بلدان الربيع العربي مثل مصر وتونس وليبيا وغيرها ، لكنه بقي على حاله محصورا في قوقعته وقدم أداء باهتا وهزيلا مثيرا للسخرية ، فقد كشفت التجربة المصرية غرابة التنظيم « الإخواني » ، وشذوذه السياسي المغاير لكل ما عرفه العالم القديم والحديث من أنظمة حكم وتشكيلات حزبية ، فلأول مرة في التاريخ المعروف ينتخب شعب ثار وضحَّى من أجل الديمقراطية رئيسا يحكمه فريق آخر من خلف ستار !! ، فرئيس مصر الأسبق « مرسي » كان قراره بيد المرشد محمد بديع و « شيوخ الجماعة » ، الذين أثبتوا للداخل والخارج أنهم بلا رؤية واقعية أو أفق سياسي واسع فضلا عن فقر مدقع في التعامل مع أطياف الشعب ، ولم يقدموا للوطن المصري غير فكر محنط في متراس الماضي وتوجهات عابرة للحدود لايتصورها عاقل ، بعد تبنِّيهم خطابا إقصائيا مستدعى من أقبية العصور الوسطى ! ، وأغرب ما في المشهد من مضحكات هذا الإنفصام الكلي عن الواقع المتمثل في الإصرار ، بعد التنحية ، على شرعية منحها الشعب لهم مرة ثم عاد وأسقطها عنهم ثلاثا !!
فاين هؤلاء من زهد الهاشميين وترفعهم عن إراقة الدم ثمناً للحكم ، ألم يتنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين وتوخيا لسلامتهم ؟ ، وقد رفض الإمام الرضى كرسي الخلافة الذي عرضه عليه « المأمون » ، خشية انقسام البيت العباسي واشتعال الفتنة بين المسلمين ، هذا غيض من فيض يزخر به موقف الهاشميين إزاء السلطة ، إلا أن تاتيهم منقادة بالمحبة والإنجاز وشرعية الدين والتاريخ ، وهذا الإمام جعفر الصادق يختزل دين الإسلام بكلمة الحب السحرية إذ يقول « وهل الدين إلا الحب » !!
في المقابلة التي أجراها الأستاذ عادل الطريفي لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في السادس والعشرين من الشهر الماضي ، قال الملك الهاشمي عبد الله الثاني ابن الحسين « كوني مسلما هاشميا فإن مسؤوليتي التاريخية تحتم علي أن أعمل بكل طاقتي مع العقلاء في العالمين العربي والإسلامي لمنع حدوث فتنة عمياء وحث السياسيين وعلماء الدين على عدم التجييش وإثارة الفتنة واستغلال الدين في السياسة » ، إنها ذات الروحية وذات الإلتزام وذات السمو الأخلاقي الممتد عبر هذا النُسغ التاريخي الأصيل .