أنا وأنت .. سلوكيات وأنماط في الميزان

إن الطبيعة والسلوك البشري متغير وليس لها شكل ثابت، متأثراً بعوامل كثيرة كالتربية والدين والبيئة الاجتماعية والتعليم وأمور كثيرة عدة.

وهذه العوامل تشكل النموذج العام والإطار الخارجي والداخلي للبشر، لتجد الطيب والخبيث واللئيم واللص والمتدين.. الخ، والغريب أن كل واحد يرى نفسه بأنه النموذج الأمثل، وأن سلوكياته هي المثل الذي يجب أن يحتذى به ، حتى ولو أظهرنا التواضع المصطنع حين يقول ( أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا ) ، أو القول ( أنا ما بدي أحكيلك عن نفسي ) وغيرها من مصطلحات دالة على قناعة الإنسان بنفسه، وليست القناعة والثقة هنا لأنها في محلها لوجود مزايا وقدرات فكرية وأدبية كبيرة ، بل لأن كل واحد وصل لقناعته الخاصة بشخصيته وهي قناعة مجروحة بالتأكيد.

وهذه القناعات هي التي تكرس أنماط البشر وتفرزهم وتوجدهم بأشكالهم المتعددة ، فترز للحصر نوعين شخصيات سلبية وشخصيات  إيجابية ، ومن الشخصيات السلبية كثيرة وعلى سبيل المثال  يبرز هزيز الذنب، والذي تم الإجماع على تعريفه بأنه  شخص يتكاثر في مكاتب المدراء وفي الممرات التي يمر منها المدير ، ويتمتع بالدجل والخداع وله خمسين وجه ، وهو لا يستطيع مجاراة الناجحين فيلجأ لهز الذنب يتميز بذكاء مجامله عالي جدا ، ولا يعمل إلا قبل حضور المدير أو المسئول بخمس دقائق ويتظاهر بالتعب والاجتهاد، يتغذى على المدح والعلاوات وكلمات الشكر، ودائما يمدح نفسه بأنه شريف ونظيف اليد ويأخذ رزقه من تعب جبينه.

 

كذلك يبرز ضريب الأسافين،  والذي هو أيضاً شخص يتواجد  في أماكن استراحات الموظفين، يتمييز بقوة السمع والشم، يستطيع شم الأخبار والمصائب عن بعد، وسريع جدا بنقل المعلومات، يستطيع قلب الأمور بلحظات، يتغذى على ضحاياه من الموظفين المساكين.

 

وهنالك أيضاً الإنسان الخشن أو القاسي ، فهو قاسي في تعامله حتى أنه يقسو على نفسه أحياناً ،  لا يحاول تفهم مشاعر الآخرين لأنه لا يثق بهم، يكثر من مقاطعة الآخرين بطريقة تظهر تصلبه برأيه، يحاول أن يترك لدى الآخرين انطباعاً بأهميته، مغرور في نفسه لدرجة أن الآخرين لا يقبلوه،  لديه القدرة على المناقشة مع التصميم على وجهة نظره ، يرى نفسه أنه بخير و لكن الآخرين ليسوا بخير.

وهنالك أشخاص من مدعي المعرفة أو ( أبو العريف ) ، ومن أطباعه أنه لا يصدق كلام الآخرين و يبدي دائماً اعتراضه، متعالي ، و يحب السيطرة الكلامية و يميل إلى السخرية ، عنيد ، رافض ، و متمسك برأيه، يفتخر و يتحدث عن نفسه طيلة الوقت، شكاك ، و يرتاب ، بدوافع الآخرين، يحاول أن يعلمك حتى عن عملك أنت.

أما الشخصيات الإيجابية، وهي كثيرة ونأخذ منها مثلاً القيادي والزعيم، فالــقيادة طمــوح جمـيل، ولــكـن الزعــامة هــي درجة ســامية جــداً، من درجات القيادة، فالزعيم هو الشخص الذي يحبه الجميع ويشعرون بالرضا عن قيادته، ويكنون له التقدير حتى في غيابه. 

 

إن مفهوم الزعــامة لا يقتصر على عالم السياسة فقط، ولكنه أيضاً في الحياة العملية،
ولو بحثت في حياة كل الزعماء، فستجد أنهم  أشخاص عاديون، ولكنهم أفنوا أنفسهم لأجل عملهم أو لأجل قضية ما، أو لأجل غيرهم لذلك فهم يضعون بصمتهم على حياة الناس، مما يــجــعلهم قــادرين عــلى قــيادة الآخــريــن، وهــم راضون.

 

ومن الشخصيات الأخرى يظهر صاحب الشخصية القوية .. وهي الشخصية التي تستمر في النمو والتطور، فقوة الشخصية ليست هي أن تجعل الناس تخاف منك، ولكن قوة الشخصية هي أن يحبك الآخرون ويكنون لك الاحترام، ويجب أن نفرق ونميز بين الشخصية القوية وبين الشخصية المسيطرة والتي لا يرفض لها طلب ، وهذه لا تعتبر شخصية قوية لأن سيطرتها بالتخويف والترهيب.

ولكن قوة الشخصية هي أن يحبك الآخرون ويكنون لك الاحترام، وقوة الشخصية هي المحرك الأول للقيادة، وهي التي تجعلك قادراً على السير إلى الأمام، وقــوة الشــخصـية هــي أن يكــون الــفرد ذا مبــادئ ثــابــتة وقوية، له فلسفته في الحياة، ويعرف جيداً قدر نفسه ويقبلها، ويعرف قدر الآخرين ويقبلهم، مما يجعله يتمتع بالقبول والحميمية من زملائه أو موظفيه.

فالشخصية القوية، هي الشخصية التي تستمر في النمو والتطور، فصاحب العقلية المتحجرة يكون بالأصل ضعيف الشخصية، ومن لا يستفيد من وقته وصحته وإمكانياته هو ضعيف الشخصية، ومن لا يعدل من سلوكه ويقلع عن أخطائه، يكون أيضا ضعيف الشخصية.

البعض يعتبر الشخصية بأنها الشخصية التي تستطيع أن تتصرف بنجاح في المواقف المختلفة، والواقع أن التصرف الناجح قد يكون غير أخلاقي في بعض الأحيان فقد ينجح مدير شركة مثلا في  إدارة شركه بشكل كبير،  بسبب اعتماده على الخداع والكذب والتسلق كوسيلة لتسيير أمور الشركة،  للحصول على رضى أصحاب الشركة ،ويصبح هذا  التعريف غير مقبول لقوة الشخصية.

أما قوة الشخصية تعني أيضا، القدرة على الاختيار السليم، والتمييز بين الخير والشر والصواب والخطأ، وإدراك الواقع الحاضر وتوقع المستقبل.

هذه بعض من أنماط البشر وسلوكياتهم فهل نحن فعلاً قادرين على الاعتراف بأي فئة نحن، ولكن سُُئِل أفلاطون ما هو الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً، قال مدح الإنسان لنفسه.


khaledjz@hotmail.com

30/1/2011