الإستراتيجية الغائبة


عندما أتكلم عن الإستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية في دول متقدمة نوعا ما مثل دول الخليج وغيرهم فإني أكون عندها لا أتكلم عن جديد فقد سبقونا في صياغة وتنفيذ مثل هذه الإستراتيجيات الوطنية الهامة والتي تسهم في تحقيق أهداف التنمية العمرانية الشاملة والمتوازنة على المستوى الوطني دون استثناء ولا تحيز لمحافظة على أخرى ولا على إقليم دون آخر.

أما بالنسبة لنا في الأردن فمثل هذه الإستراتيجيات لا تزال غائبة على الرغم من أهميتها الكبرى في توجيه وتنظيم التنمية العمرانية وفي تحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف مدن ومحافظات المملكة وبما يعزز دورهذه المدن في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين.

وإني لأقف مندهشة حتى هذه اللحظة مما وصلنا إليه بسبب غياب التخطيط السليم والمتدرج بمستوياته المختلفة في وطن أصبح من الواضح عليه التفرقة في مستوى الخدمات ومراكز الجذب الإقتصادي والإجتماعي وفي تدني مستوى الرفاهية الذي يعد في الوقت الراهن المرآة الحقيقية للتحضر والتمدن للمجتمعات البشرية كافة, فمرورا بين مختلف مدن ومحافظات المملكة من الشمال إلى الوسط نحو الجنوب واستثناءا للعاصمة عمان الحبيبة فهي خارج هذه المقارنات وإن كانت هي السبب الذي أوجد هذه المقارنة أصلا.

فما تتميز به عمان العاصمة من خدمات عامة وبنية تحتية وفرص عمل وأسلوب تخطيطي  متميز ولن أقول أنه الأمثل, ولكن متميز مقارنة لما نجده في باقي مدن ومحافظات المملكة, فها هي أمانة عمان بكادرها وبموارها نجحت في تحقيق بعض ما يتمناه المواطن الذي يعيش داخل حدود أمانتها على الرغم من أن الآمال والطموحات كثيرة وبانتظار المزيد من الإنجازات.

وفي خضم الزيادة المتنامية في أعداد السكان التي تعيشها العاصمة عمان ومن حولها, والهجرة المتزايدة لأبناء المدن والقرى إليها طمعا بما يجدونه عندها دون سواها, كل ذلك كان سببا أساسيا في الزيادة المستمرة لحدود أمانة عمان حتى وصلت في حدودها إلى الجيزة ومادبا فزاد الحمل وتضاعفت المسؤولية عليها دون شك.

فعندما تكون الإستراتيجية العمرانية الوطنية غائبة تكون مثل هذه النتائج موجودة لامحالة. ويبقى التحسين والتطوير لمدينة على حساب أخواتها الأخريات اللواتي ظلموا لغياب مثل هكذا استراتيجيات يجب على الحكومة ان تتبناها وأن تعمل على تنفيذها فورا, فهي الإطار العام والرؤية الإستراتيجية الشاملة التي تتعامل مع كافة المدن والمحافظات بنظرة شمولية واحدة ورؤية تنموية تحقق التوازن التنموي فيما بينها وتقلص الفوارق التي أنهكت الكثير من المدن والقرى وجعلتها مدنا غير قادرة على النهوض بنفسها وتحقيق هدفها تجاه مواطنيها وتجاه وطنها وعاجزة عن تحقيق التنمية التي سبقتنا إليها الكثير من المدن.