البلطجة في مواجهة "الجملة المعترضة"!



" المجد للكلمة المقاتلة والعار لإعدائها..

المشهد الاردني بات مرعباً،فالجرائم اليومية التي تقع على الانسان،و تنتهك حرمة جسده،وكرامة انسانيته،وقدسية روحه،تشي بان هناك خللاً سلوكياً،وعيوباً اخلاقية،و امراضاً نفسية،وانفلاتاً اجتماعياً.و الا ما معنى تشويه وجه طبيب مسالم وتكسير اسنانه في عيادته، وقذف ممرض من الطابق الثاني لمستشفىً عريق يقدم خدمات فوق طاقته من لدن مسلحين،وهجوم مسلح على صحيفة،وترويع موظيفها و ايقاع اصابات بليغة برئيس تحريرها.
*** اسئلة مشروعة لابد من طرحها لاستجلاء الحقائق:هل تعطل العقل،وتراجع المنطق،وفُقدت كوابح الادراك ؟!.هل انهارت القيم النبيلة لتحل مكانها الغرائز الوحشية الدفينة؟!.هل تلاشت الثقافة،وضعف الوازع الديني و حلَّ مكانهما الميل العدواني البدائي؟!.هل انحسرت هيبة الدولة وبلغنا اقصى درجات الخيبة،فانقلبنا على اعقابنا الى ما قبل الدولة ؟! هل اصبح لكل متنفذ عصابة من البلطجية اسوةً بالمحروسة مصر،وحارة "كل مين إيده إله" كما هي الحال في سوريا؟ّ!.ام ان ما يحدث مرده لزيادة منسوب "الادرينالين" في الدم، وتراجع افراز "الاندروفين" في الدماغ.
*** في صراع الافكار،الاصل الحوار بين فكرتين: الخطأ و الصواب، بين"نعم" و"لا".لا احد يملك الصواب المطلق والصدق المحض،و من يدعي ذلك "كذاب اشر".اما من يحتكر الحقيقة،و يمنح نفسه حق ارسال "السياف" الى خصمه لجز راسه او ارهابه،.فهو مجرم يسلك اعلى مسالك الجريمة،وفعلته هذه اعتداء صريح على العقل والفكر،وهي بذات القدر اعتداء على القانون وهيبة الدولة.فمن غير المعقول ان من يملك المال والنفوذ هو صاحب الراي الاصوب،كما انه مرفوض ان يقوم صاحب كل "عزوة" بتعطيل القوانين والوصول الى "حقه" بذراعه عن طريق ارسال مجموعة من "ربعه" لاقتحام حمى غريمة وضربه.تصرفات توحي اننا بعزبة لا في دولة قانون ديمقراطية.
*** الدولة الديمقراطية نظام سياسي اجتماعي اقتصادي يقوم على حق الانسان في الحرية وبناء دولة المؤسسات تعلو على الافراد مهما علت منزلتهم وارتفعت مراتبهم وسمت اصولهم وكثر عدد جماعتهم و عديدهم.فحرية الصحافة اهم مظاهر الديمقراطية التي تعتبر رافعة الوعي الجماهيري،و اداة تفتيح العقول،و منصة توجيه الانظار الى مكامن الخلل ،وتسليط الضوء على الفاسدين وبؤر فسادهم.انها الصحافة الحرة صاحبة الجلالة ذخيرتها الكلمة الرصاصة،والجملة الشفرة الحادة.
*** الصحافة ضمير الشعوب الحية ، انوارها الكاشفة التي تطارد الفاسدين في زواريب الظلام.هي الشبح الذي يؤرق نومهم،والكابوس الذي يضغط على انفاسهم.من هنا كان الخوف من الصحافة حتى ان جُلَّ الفاسدين يخافونها اكثر مما يخافون عصا الدولة.ولا عجب ان اجمعت الانظمة البوليسية على قمعها والاستحواذ عليها،وتعيين رؤساء تحريرها ممن قلت ثقافتهم و زاد منسوب نفاقهم على خبرتهم ، وقد لخص ذلك وزير الدعاية النازي بالقول:عندما اسمع كلمة مثقف اتحسس مسدسي".وفي موقع آخر:"اعطني إعلاماً بلا ضمير اعطيك شعبا بلا وعي".
*** حق الانسان في التعبير عن رايه حق مقدس ومكفول في القوانيين الوضعية والشرائع السماوية، شريطة عدم تجاوزه على الاخرين، و اي منع للراي الاخر هو قمع، ودليل ضعف وخوف، وللمتضرر من راي غيره اللجوء للقضاء فعنده فصل الخطاب،اما اللجوء للقوة والتلويح بالمسدسات،وشحذ السكاكين،والاعتداء بالهراوات على صاحب الراي المخالف فتلك جاهلية ابو جهل،وفوضى صعاليك العرب ـ ايام زمان ـ وردة بدائية الى ما قبل الدولة،سلوكيات تنم عن انحراف اجرامي اول نتائجه زعزعة الامن الاجتماعي،و اشاعة الفوضى،وبث الرعب في نفوس المواطنيين.المفارقة المُبكية ان غالبية المعتدين على العلماء والكَتّاب والصحافيين والمعارضين هم من الجهلة الاميين مثالاً لا حصراً ان الذي حاول قتل الروائي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل اُمي لا يعرف القرآءة الكتابة.
*** المؤسف اردنياً ما كشفه تقرير مركز حماية الصحافيين لعام 2012 ان الجرائم التي تعرض لها الصحافيون الاردنيون بلغت "96" حالة منها "61"انتهاكاً بالذم والقدح و التحقير و"10"حالات اعتداء بالضرب،مما يشي ان الصحافة الاردنية الحرة في دائرة الاستهداف حيث بلغت ذروتها بالاعتداء المسلح قبل ايام ـ على صحيفة الحياة الاسبوعية و ايقاع الاذى البليغ برئيس تحرريها الزميل حسان خريسات،فيما تعرضت قبل ذلك صحيفة يومية للتهديد بالحرق و مقر موقع الكتروني للتهديد بالتحطيم.اما التقرير العالمي لحرية الصحافة شَخَصّ الوضع الاعلامي الاردني بانه قاتم و الحريات في تراجع.
*** الصحافة كائن حي لابد من توفر شروط صحية ومناخ آمن لكي تنمو وتزهر و تثمر،ولابد لها من هواء طلق،وماء عذب،وشمس ساطعة ترسل الدفء والضوء حتى تعطي اُوكلها،و الا فانها تذوى وتموت.وحتى لا تموت فهي بحاجة للرعاية، وكلنا ثقة بمجلس نقابتنا الموقر لممارسة دوره النقابي المعهود في الدفاع عن الكلمة الحرة و الموسسات الصحفية و توفير المظلة الآمنة لابنائها المخلصين في مواجهة البلطجية و الزعران.
*** اما الجانب الامني، فاننا نهيب بالجنرال الطوالبة الذي شن حملة موفقة للقبض على عتاولة المجرمين وقطع دابر اصحاب السوابق الاجرامية،وسارقي السيارات ،السعي الحثيث لوضع حدٍ للاعتداءات المتكررة على الصحافيين ومؤسساتهم وانزال اشد العقوبات بهم.لكننا في الوقت نفسه لا نقر ما دعا اليه احد الزملاء في لحظة غضب "ان العشيرة قدمت مهلة للحكومة حتى يتم القبض على الفاعلين مهدداً بالتصعيد" فنحن في دولة قانون،لا يحق لاي مخلوق اغلاق حارة فرعية، و اشعال اطار مهترئ احتجاجا على ما يجرى .فمن باب اولى ان نقف وراء الدولة لشد أزرها لاجل إحقاق الحق وفضح المعتدين .
*** إن نظرة كاشفة على اوضاعنا،وما يدور في مجتمعنا ،يكتشف الرائي، اننا نعيش حياة منغلقة رغم مظاهر الانفتاح الزائفة،كأنما كُتب علينا الدوارن حول انفسنا،والسير في طريق دائري مُقفل لا سبيل الى تغييره او الخروج منه،مع ان التغيير رهن ارادتنا،ومُلك يميننا،لكننا لن نتغير او نرتقي الا اذا تفيأنا بمظلة القانون،و سلكنا طريق النهج العلمي من اجل رسم سياساتنا السياسية و الاعلامية والاقتصادية والاجتماعية للولوج الى الالفية الثالثة و الا سنبقى نعيش معارك داحس والغبراء،و حرب البسوس،والتنافس على الالقاب والتفاخر بالانساب.


مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين