حول المؤتمر السادس للجبهة الديمقراطية


في وقت متأخر أطلعت على وثائق المؤتمر الوطني السادس للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حينما أكرمني الأمين العام نايف حواتمة بإهدائي وثيقتي المؤتمر الأولى وتضم البلاغ الختامي والتقرير التنظيمي، والثانية تتضمن التقرير السياسي، ويعود تاريخ إصدارهما إلى شباط 2013 .
ولست في هذا الصدد، وفي هذا التقييم لوثيقتي المؤتمر القيام بعملية عرض للوثيقتين أو تناولهما بالنقد، بقدر ما سيقتصر عرضي ونقدي للوثيقتين بما يخص المكون الثالث لشعبنا العربي الفلسطيني، وهو المكون الذي صمد وبقي على أرض الوطن في مناطق عام 1948، أي في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وكذلك ماهية الوضع السائد في قطاع غزة.
والحقيقة أن اهتمام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بالمكون الثالث لشعبنا الفلسطيني ( أبناء 48 ) يفوق اهتمامات الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث ألمس مدى حرص الرفيق حواتمة في كل زياراته المتكررة إلى الأردن، على الاتصال المسبق مع قادة الأحزاب العربية الممثلة بالبرلمان، أي التي تملك المصداقية والحضور لدى شعبها : محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (4 نواب)، وأحمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير (نائب واحد)، وطلب الصانع رئيس الحزب الديمقراطي العربي، وغيرهم من القيادات التي تسمح فرص التلاقي أو التفاهم معهم كالحركة الإسلامية (3 نواب) والتجمع الديمقراطي (3 نواب) ، وكثيراً ما كنت أشارك في هذه اللقاءات كمهتم وكمراقب وكصديق لطرفي اللقاء إما من جهة حواتمة أو من جهة ضيوفه، حيث كان يحرص أبو النوف على الاستماع لوجهات نظرهم والاطلاع على الواقع الفلسطيني والإسرائيلي من خلالهم، وكذلك عرض رؤيته الطويلة والتفصيلية على التحركات الفلسطينية، وظروف المنفى، ومعطيات الواقع الفلسطيني لمناطق الشتات والتشرد، وكذلك خطط العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني لمراكمة الفعل وتسجيل النقاط ومواصلة الطريق التدريجي متعدد المراحل (الحل المرحلي) الذي رسمته الجبهة الديمقراطية ودعت إليه مقدمة على الكل الفلسطيني، وغدا البرنامج السياسي لمنظمة التحرير بعد أن صاغه المجلس الوطني في دورته الثانية عشرة عام 1974 ولا يزال هو البرنامج المعلن لعموم شعبنا في أماكن تواجده الثلاثة في 48 و 67 وفي المنافي والشتات برنامج 1- الدولة في حدود 4 حزيران 1967 و 2- حق العودة إلى مناطق 48 وفق القرار الأممي 194.
وفي قراءة للتقرير السياسي المقدم للمؤتمر، يلخص أربعة أقسام تناولها بالعرض والتحليل كالأتي :
القسم الأول ويتناول بلدان الثورات والانتفاضات العربية، مستعرضاً الأسباب والدوافع والعناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى انفجار هذه الثورات والانتفاضات، بما في ذلك انتشار الفساد في أنظمة سلطوية، استبدادية، تعيش حالة من التبعية السياسية والاقتصادية للنظام النيوليبرالي المعولم، ما أفقدها القدرة على إجراء إصلاحات ضرورية، تجسر المسافة بين الغنى والفقر، وتفتح الأفق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المنطلقة من مصالح غالبية فئات الشعب وشرائحه المختلفة.
والقسم الثاني يتناول " العملية السياسية والانقسام " فيرى كيف وصلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، إلى الطريق المسدود، بسبب تعنت الطرف الإسرائيلي، وعدم نزاهة الراعي الأميركي وهروبه نحو الضغط على الجانب الفلسطيني، ورخاوة الحالة العربية، وافتقار المفاوض الفلسطيني إلى إستراتيجية سياسية متكاملة تمكنه من استعمال أوراق القوة الفلسطينية، ويدعو هذا القسم للتخلي عن هذه الإستراتيجية، لصالح إستراتيجية سياسية بديلة (جديدة) تستنهض عناصر القوة المتوفرة لدى الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير.
والقسم الثالث يتناول الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية في مناطق السلطة، ويرى أن أزمة السلطة الفلسطينية باتت مركبة، 1- سياسية في ظل انسداد آفاق الحل عبر الإستراتيجية التفاوضية الراهنة، 2- اقتصادية ـ اجتماعية، بسبب القيود التي فرضها بروتوكول باريس على الجانب الفلسطيني وفشل الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في بناء اقتصاد وطني وتنمية اقتصادية في ظل الاحتلال، الذي لا يتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع قيام اقتصاد آخر، إلى جانب الاقتصاد الإسرائيلي، ما بين النهر والبحر، ما يتطلب والحال هكذا تبني إستراتيجية اقتصادية ـ اجتماعية جديدة، تصب في مجرى النضال العام، من أجل الأهداف الوطنية، وتشكل جزءاً من الإستراتيجية السياسية الجديدة (البديلة)، هدفها بناء اقتصاد صمود وطني وتركيز الجانب الرئيسي من الموازنات العامة في خدمة الشرائح الفقيرة، وتوفير الضمانات الصحية والاجتماعية لها ودعم المناطق المتضررة والمهددة بالاستيطان والجدار.
والقسم الرابع تناول قضية اللاجئين الفلسطينيين، وما طرأ عليها من تطورات خلال السنوات الماضية، مستخلصاً أن حركة اللاجئين أثبتت، في العديد من محطاتها، مدى تمسك اللاجئين بحقهم في العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948، ورفضهم كل الحلول البديلة، ولعل أحداث ذكرى النكبة الوطنية في أيار 2011 تأكيد ساطع على ذلك. يتوقف أمام واقع اللاجئين الفلسطينيين في سورية في ظل النكبة الوطنية التي لحقت بهم وأدت إلى تهجيرهم من مخيماتهم بما فيها مخيم اليرموك.
كما يتناول أوضاع الشعب الفلسطيني في مناطق الـ48 في ظل تصاعد السياسات الصهيونية ذات المنحى العنصري، ويدعو في السياق إلى تعزيز النضال من أجل حقوقهم " القومية والثقافية والسياسية والإنسانية والاجتماعية "، كما يدعو إلى المزيد من التنسيق بين الأحزاب العربية بما يعزز من قدرة الصوت العربي على التأثير في اللعبة البرلمانية داخل الكنيست، والتصدي للسياسات القائمة على التمييز العنصري ضد الفلسطينيين العرب، وبهذا لم يقدم التقرير لفلسطينيي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة قسماً خاصاً يرتقي لمستوى العرض والتحليل كما أعطى للأوضاع الفلسطينية الأخرى.
وحول هذا الموضوع فلا بد من التركيز على موضوعات هامة أغفلها التقرير، أو مر عنها ولم يتوقف عندها باعتبارها عنواناً مستقلاً يجب إعطاؤه الاهتمام الأكبر :
1- مواصلة العمل على تخفيض نسبة التصويت الفلسطيني لصالح الأحزاب الصهيونية حتى تصل إلى نسبة صفر.
2- العمل على زيادة نسبة التصويت الفلسطيني من 56 بالمائة كما حصل في آخر جولة من انتخابات الكنيست إلى ما فوق 60 و 70 بالمائة بهدف زيادة التمثيل العربي الفلسطيني من 11 مقعداً للكتل الثلاث، حتى يشكل الحضور البرلماني الفلسطيني الكتلة الثالثة في البرلمان الإسرائيلي، وحتى يكون لها التأثير الأقوى، وتصبح جزءاً من المعادلة البرلمانية التي لا تستطيع أي حكومة وأي معارضة القفز عنها، في سبيل تحقيق المصالح الوطنية لشعبنا في مناطق 48 والقائمة على أساس المساواة الكاملة لهم في وطنهم أسوة بالإسرائيليين اليهود.
3- عقد التحالفات ما بين الكتل العربية الفلسطينية من جهة، مع كتل إسرائيلية ذات طابع سلامي أو معتدل والمشاركة مع هذه الكتل الإسرائيلية نحو قضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تخدم المصالح المشتركة للطرفين وإن كانت ذات طابع مرحلي أو انتقالي أو قضايا آنية ملحة.
كما أغفل التقرير، على الرغم من أهميته وتنوعه، أغفل الوضع القائم في قطاع غزة من حيث الإجابة على السؤال هل قطاع غزة : محرر أم محتل ؟؟ وفي ضوء الإجابة يتحدد البرنامج، فإذا كان محتلاً فهذا يتطلب برنامج مقاومة حيث تُخل به حركة حماس واتفاقها مع العدو الإسرائيلي عبر تفاهمات القاهرة الموقعة في 21/11/2012 لا يختلف عن مضمون الاتفاقات الأمنية لحكومة رام الله مع الإسرائيليين، وإذا كان القطاع محرراً، فالمطالبة يجب أن تكون نحو سيادة التعددية وإجراء الانتخابات النقابية والطلابية والبلدية أسوة بما يجري في الضفة الفلسطينية المحتلة بالكامل، وصولاً لانتخابات برلمانية ورئاسية بعد أن انتهت ولاية الرئيس وولاية المجلس التشريعي.
الجبهة الديمقراطية بهذا الخصوص لا تختلف عن كافة الفصائل التي لا تملك شجاعة الإجابة على السؤال: هل غزة محررة أم محتلة ؟؟ وفي كلا الوثيقتين لا توجد إجابة على السؤال، وبالتالي يغيب البرنامج المحدد بعيداً عن العموميات في هذا المجال.
h.faraneh@yahoo.com