نحن في الأردن
نحن في الأردن
د.بسام البطوش
أبناء الأردن مطالبون اليوم بفهم الواقع الأردني بعيدا عن الرغائبية بكل أشكالها ودوافعها،والجميع مطالبون بأن يتعرفوا على الدولة الأردنية دولتهم،وأن يفهموا الخصوصية الأردنية،وأن يعوا طبيعة التشكل التاريخي والسياسي والاجتماعي للدولة الأردنية،وأن يدققوا في المحددات والتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.لكن للأسف هناك شعور بأن بعضا من الذين يعدّون أنفسهم نخبا سياسية وثقافية،ويمثلون الانتلجنسيا الأردنية ينظرون للشؤون الأردنية بعيون استشراقية وكأنهم لا يعرفون الأردن !
ولما كان عامة الشعب الأردني لديهم من الثقة ببلدهم وبقيادتهم ما يعينهم على تلمس مواقع أقدامهم في عالم متغير مضطرب تسوده تداعيات الفكر الرأسمالي المتوحش وفوضاه الخلاقة؛بقيادة أمريكا سيدة الحرية المزعومة!!فإن الشعب الأردني لديهم ثقة راسخة بوطنهم الذي صنع معجزة تنموية في ظل شبكة معقدة من التحديات والتعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ظل أعداء الأردن يعولون عليها لتضع السكين على رقبته في لحظة ما، لكن بحمد الله طال انتظارهم لها!
كل أردني كبر أم صغر في العمر أم في التجربة أم في الموقع يدرك أن بلدنا يعيش جملة تحديات مركبة بعضها ناجم عن عوامل داخلية متعلقة بقدراتنا ومواردنا وسياساتنا وثقافتنا ومنهجنا في التفكير والسلوك والإدارة، وبعضها خارجي ليس لنا يد في صناعته،لكن علينا واجب التعاطي معه والتقليل من سلبياته.والأردنيون جميعا يدركون أن الأردن اليوم يتأثر بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية،ويعاني من الواقع العربي المثقل بقيود السلبية وثقافة الانسحاب من أداء الواجب القومي، كما يعاني من تداعيات الملف الفلسطيني والشروط الأمريكيةـالصهيونية لتسوية يراد لها أن تكون على حساب الحق العربي في فلسطين وعلى حساب الدولة الأردنية !
لدى المواطن الأردني أسبابه لينتقد الأحوال الحاضرة،كما أن لديه الحق في التطلع الدائم نحو الاصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتنمية السياسية ،ولديه أشواقه المشروعه لإصلاح يوفر للإنسان الأردني شروط العيش الكريم ،لكن لديه في المقابل ألف سبب وسبب، لحماية الوطن من العبث تحت أي مسمى كان،وهذا الحرص يأتي في سياق وعي الإنسان الأردني بأن الدولة الأردنية نجحت في إرساء تقاليد ديمقراطية راسخة أعترف بها أصحاب الحناجر الثورية أم لم يعترفوا!والإنسان الأردني وهو يرقب المشهد العربي المحيط، ويدقق فيه جيدا،ويدرك ما عانت منه وتعانيه شعوب عربية شقيقة من قمع ودكتاتورية وكبت وحرمان وتغريب وتخريب وفساد وفوضى وحروب وإرهاب يحمد الله بأن جنب الأردن في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة كل الشرور والويلات.
والإنسان الأردني يعي أن تصحيح الأخطاء ومواجهة المشكلات ومحاربة الفساد والتغلب على المعيقات،وتطوير جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وطننا تستلزم جهود مؤسسات وقوى وأحزاب وجماعات وأفراد يتقربون إلى الله في حب الأردن وخدمته،لكنهم يقدمون بين يدي هذا الحب كثيرا من الفعل المثمر والسلوك المتحضر والعمل الصالح والرأي السديد .
ولعله من المفيد أن نقدم دليلا آخر على الخصوصية الأردنية تمثل في السلوك الحضاري الراقي الذي قدمه رجال الأمن العام في التعامل مع السلوك الاحتجاجي للمواطنين،وتوفير الحماية لهم وهم يمارسون التعبير السلمي عن مطالبهم،وكان مشهد رجال الأمن العام وهم يقدمون زجاجات المياه للمتظاهرين يعبر عن سلوك حضاري متقدم تدلل من خلاله الدولة الأردنية على إيمانها بحقوق الإنسان ،وحرية التعبير،واحترامها للمعارضة الوطنية الشريفة،بما يؤكد أن هذه الدولة تختلف كثيرا عن غيرها،وإذا كان البعض يتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بالنار والبارود والهراوات فإن الأنموذج الأردني مختلف كليا،وإذا كان الناس في بلاد عربية كثيرة يفتقرون لمساحة معقولة للتعبير والعمل السياسي المشروع، ويكبتون سياسيا وإعلاميا وثقافيا وفكريا؛فإن الأردن مختلف تماما،وعلينا أن نردد "نحن في الأردن"،وأتمنى أن تتوفر الفرصة لإطلاق حملة وطنية تحت عنوان "نحن في الأردن" .