تحصين السلطة القضائية... بداية الاصلاح السياسي : بقلم المحامي محمد ابو غنيمة

اخبار البلد-: السلطة القضائية سلطة أساسية من سلطات الدولة الثلاث ومرتكز رئيسي من مرتكزات الحكم الرشيد والحصيف ولا أبالغ إن زعمت أن هذه السلطة هي السلطة الأهم والأخطر في الدولة الحديثه .

 فالدولة مهما كانت حصينة امنيا وعسكريا واستخباراتيا لا يمكن لها أن تستمر وان تصمد ما لم تكن دولة عادلة يخضع فيها الجميع –حاكمين ومحكومين- لسلطة القانون ولمظلة القضاء العادل, اما التفكير خارج هذا المنطق فنتيجته الخراب ومآله الهلاك ولنا في الجوار القريب والبعيد عبرة وعظه لكل من يريد أن يعتبر ويتعظ.

 

ما هو المغزى  من طوفان القوانين المؤقتة التي أصدرتها الحكومة الحالية بشكل مخالف للدستور وافسدت به النظام القانوني في المملكة التي اتسم نظامها القانوني  عبر عهود طويلة بالاستقرار والانضباط؟؟!!

 

ما هو الهدف  من الحجم الهائل من الاهانات واللطمات للسلطة القضائية التي كالتها- وما زالت تكيلها –  الحكومات يومياً حينما اصدرت عشرات القوانين المؤقته بطريقة (السلق) دون مشاورتهم أو استمزاج رأيهم حتى بلغ تجاسر حكومة  الاستاذ سمير الرفاعي  وتطاولها على القضاء أنها قامت بتاريخ 16/6/2010 بإصدار قانون مؤقت معدل لقانون استقلال القضاء دون أي تشاور لا مع المجلس القضائي ولا مع الهيئة العامة للقضاه الامر الذي شكل مخالفه مفضوحه لاحكام المادة التاسعة لقانون استقلال القضاء التي الزمت الحكومة بأن تتشاور مع القضاة في أي قانون او نظام يتعلق بالسلطة القضائية؟؟!!      

    

كذلك اتساءل ما المغزى والرسالة من الاهانة القاسية التي وجههتها لهم الحكومة قبل عدة اسابيع حينما اصدرت النظام المهين والاجوف واقصد (نظام صندوق التكافل الاجتماعي للقضاة النظاميين واعوان القضاة)؟؟!! هذا النظام الذي افرغ الارادة الملكية التي قضت بتأسيسه من محتواها فحينما اصدر جلالة الملك بتاريخ 14/2/2010 ارادته الملكية بتأسيس هذا الصندوق، استهدف  من تأسيس هذا الصندوق توفير مصادر دخل جديدة من شأنها تحسين الاحوال المادية والمعيشية للقضاة ولاعوان القضاة ، ولكن الحكومة اصرت -وعلى الرغم من احتجاجات القضاة- على إصدار نظام ينطوي على نصوص مهينة بحق القضاة وتنطوي على خدش بالغ لكراماتهم ويكفي أن أشير إلى أن هذا النظام ألزم القضاة إن رغبوا بالحصول على قرضٍ شخصي لا تتخطى قيمته ألف دينار بأن يتبعوا الخطوات التالية:

1. تقديم الوثائق الداعمة لطلبهم دون بيان أو توضيح لماهية هذه الوثائق.

2. إحضار كفيل يضمن التزام القاضي بسداد هذا القرض في الوقت الذي تشرع البنوك أبوابها أمام القضاة للحصول على أي مبلغ يريدونه دون أي ضمانات سوى تلك الضمانة المعنوية التي تمثلها صفة القاضي وشخصيته وهالته ورسالته.  

 

 وكذلك عمليات الإبعاد والتهميش للسادة القضاة التي تمارسها الحكومة عبر رفض كافة الدعوات والنداءات التي تطالب بأن تكون السلطة القضائية –كسلطة محايدة- هي الرقيب والمشرف الأساسي على كافة العمليات الانتخابية البرلمانية منها والبلدية وعلى كافة مراحل وخطوات هذه الانتخابات؟؟!!

 

و لا بد من أن نرشد أبناء شعبنا لقراءة المادة (16) من قانون استقلال القضاة رقم (15) لسنة 2001 هذه الماده التي تفرض على القضاه طوقا من الحصار وتميط اللثام عن عامل أساسي من عوامل اضطهادهم وقمعهم وتقليم أظافرهم وتملي عليهم الابتعاد قسرا عن ممارسة دورهم في حماية القواعد الدستوريه وفي فرض انفسهم كحماة للحريات والحقوق الاساسيه التي لا بد ان يتمتع بها المواطنون.     

تنص الماده(16) من قانون استقلال القضاء رقم 15 لسنة 2001 على ما يلي:

( أ . على الرغم مما ورد في أي تشريع اخر للمجلس بناء على تنسيب الرئيس ان يحيل على التقاعد رئيس محكمة العدل العليا واي قاض اكمل مدة التقاعد المنصوص عليها في قانون التقاعد المدني .

ب. للمجلس احالة أي قاض على الاستيداع او انهاء خدمته اذا لم يكن مستكملا مدة الخدمة اللازمة لاحالته على التقاعد .

ج.

نخلص من القراءة المتفحصة لنص هذه المادة الى استنتاج اساسي مفاده ان اخراج أي قاضي (عزلا او انهاءا للخدمات او استيداعا او تقاعدا) من وظيفته وطرده خارج المنظومة القضائية اسهل من نقل موظف صغير من دائرة الى اخرى .

 

ان رهن مصير القضاة بهذا الشكل التعسفي بإرادة المجلس القضائي رئيسا واعضاءا هو امر في غاية الخطورة وذلك للاسباب التالية:

أولا: ان العالم الثالث –والاردن ليس استثناءا- لا يدار بالمجالس ولا بالمؤسسات فهناك اشخاص –لا مجالس- يتربعون على سدة المؤسسات التي يتولون رئاستها دون رقيب او حسيب .

ثانيا: وبالبناء على ما تقدم في (البند اولا) فإن الامر المؤكد بان ادارة الشأن القضائي منوطة بشخص واحد هو رئيس المجلس القضائي .

 

ثالثا: سادت في السنوات الأخيرة منهجية فردية  في أدارة المؤسسة القضائية تعتمد المادة (16) كعصا غليظة يتم التلويح بها في وجه الساده القضاة  .

 

ان عملية الإصلاح القضائي لا تنفصم عن عملية الاصلاح الوطني الشامل , وان الاصلاح القضائي هو بداية الطريق نحو اصلاح وطني شامل فالقضاء الصالح والقادر والنزيه هو الضامن لحماية حريات الناس وحقوقهم على اختلاف انواعها وفئاتها وهو الضامن لاضطراد عمل المؤسسات واجتثاث آفة الفساد وملاحقة الفاسدين ومحاصرة المفسدين ولاننا نتوخى قضاءا صالحا فإننا نسعى لبناء شخصية جديدة للقضاه الاجلاء الذين لا نشك بوطنيتهم وحرصهم على حماية ابناء وطنهم ولكن الاوطان لا تصان ولا تبنى بالنوايا الحسنة ولكنها تصان بالمبادرات الشجاعة والتي من اهمها تعديل الماده (16) من قانون استقلال القضاء ووضع اسباب محدده وواضحه لا تحتمل اللبس والتأويل لانهاء خدمات القاضي واحالته على الاستيداع اوالتقاعد بما يكفل احاطة القضاة بضمانات وظيفية تشعرهم بالراحة والامان تجعلهم ينصرفون لاداء واجباتهم بشجاعة وارتياح دون ان يخضعوا لرغبات مراكز القوى  او مزاج الجهات المتنفذه  .
وكذلك من الاهمية أدخال مبدأ انتخاب عدد معين من اعضاء المجلس القضائي من قبل الجسم القضائي (قضاة محكمة التمييز – قضاة محاكم الاستئناف - قضاة الصلح – قضاة البداية –-المدعين العامين ) لتكريس استقلال القضاء الذي نجله ونحترمه .