الأردن: نقلة نقلة على وقع خطى التغيير
اخبار البلد - الحرائق في المنطقة مشتعلة وتزداد اشتعالا، بينما الأردنيون يقلّبون طبختهم على نار هادئة، حتى لا تحترق.
في كل أسبوع يطورون أداءهم، مستفيدين من تجاربهم وتجارب الجيران، يهتفون للأردن ، ولتونس "البوعزيزي"، والجزائر وشعب مصر، ويتوعدون قوى الاستبداد في العالم العربي بمصير "الزين".
يدخل احتجاج الأردنيين شهره الثاني، ولم تكسر نافذة ولا واجهة محل، أو ترفع عصا بوجه محتج.
لا خوف في الأردن من أن تفلت الأمور من عقالها، أو أن يسيل الدم كما حصل عند الجزائريين و"التوانسة" و"المصاروة".
يخرجون في مسيرات وينفذون اعتصامات، يختلط فيها الأخضر بالأحمر والبرتقالي، وشعار "الإخوان" "وأعدّوا" بالمنجل والمطرقة، و"الله أكبر" بـ"خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، في مشهد يتباهون به على بقية العرب.
والأردنيون ليسوا ليني العريكة، لكن معادلة خاصة تحكم علاقتهم بالنظام السياسي ورأسه الذي لديه أدواته الخاصة التي تمكنه من معرفة حقيقة ما يختلج في الصدور، ولا ينتظر الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي الذي يقدم إليه معلومات منقوصة أو مشوهة عما يدور في البلد. ذلك أن تركيبة النظام السياسية والدستورية تمكّنه من تنفيس الاحتقانات متى شعر رأس السلطة (الملك) باشتدادها، باقالة رئيس الحكومة واستبداله بغيره، وكأن شيئا لم يكن.
وهم إذ يجلّون الأسرة الهاشمية لما لها من إرث ديني وقومي، ولأن علاقتهم بها لم تتخذ طابعا دمويا، الا انهم بدأوا يتململون، وهو ما كان واضحا في المسيرة الكبرى التي جابت وسط العاصمة الجمعة، وفي الاعتصام الذي نفذته قوى سياسية ومجتمعية قبالة دار الحكومة، وهم يرتقون بمطالبهم من إطاحتها، إلى "تغيير النهج".
"الدسترة"
ما كان مجرد أحاديث همس وتمنيات خلف الأبواب المغلقة، بات مطالب تنادي بها القوى السياسية والنقابية والاجتماعية في مسيراتها واعتصاماتها، وأمام عدسات محطات التلفزة والفضائيات والإذاعات: "تعديل الدستور" و"حكومة منتخبة" و"محكمة دستورية" وحياة حزبية حقيقية ورفع مختلف القيود المفروضة على الحريات، وجعل سقف حرية الصحافة "السماء" بحق بعيداً عن الشعارات البراقة.
هذه المطالب قدمت قبل ثلاث سنوات الى رأس السلطة في مبادرة هدفها تحصين الملكية والحفاظ عليها وعلى الكيان السياسي والجغرافيا الأردنية. لكنها حوربت بشدة بعدما صوّرت للملك على أنها "خطر داهم يستهدف تقويض الملكية والانتقاص من صلاحياته". وهي، لشدة ما حوربت، جعلت أعداداً كبيرة من داعميها يتراجعون عن تأييدها، حتى لا يحشروا في "خانة المتآمرين على النظام"، على رغم اقتناعهم بنبل مراميها.
الآن، عادت هذه المبادرة بقوة ليتبناها جميع المحتجين على الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
وهم إذ يتخوفون من المخططات الصهيونية الرامية إلى جعل بلدهم وطنا بديلا للفلسطينيين ومعبراً للنفوذ الإسرائيلي إلى الخليج ومجالا حيويا للدولة العبرية، يؤمنون بأن الارتباط بالغرب والولايات المتحدة والاتكاء عليهما تحول عبئا على الدول العربية، بدلالة تونس ومصر. وباتوا يؤمنون أكثر بأن منعة النظام السياسي وقوته تكونان بالالتفات إلى الداخل والتوحد مع الشعب وتمكينه من التعبير عن خياراته، بإطلاق الحريات وإجراء إصلاح حقيقي طوعي.
ولا يعتقد محللون ومراقبون أن الخطوات التي تتخذ حاليا كافية، ويرون أن المطلوب يتجاوز ذلك كثيرا. وهم لاحظوا تحركات الملك على غير صعيد، لجهة الجلوس مع قيادات سياسية واجتماعية والاستماع إليهم، وتفقد بعض جيوب الفقر المتزايدة، وقصر نظر المسؤولين عن توجهاته وتوجيهاته. لكنهم يعتقدون أن هذه التحركات تحمّل الملك أعباء إضافية هو في غنى عنها، ويرون أن "دسترة" النظام الملكي، وجعل تنصيب الحكومات ورؤسائها يستند إلى نظام انتخابي متطور، يوزع المسؤوليات على الجميع، يريح النظام ويمتن الجبهة الداخلية في مواجهة مختلف التحديات.