سنة أولى حُكم


 
قبل سنة من الآن تقريبا ، أصبح محمد مرسي رئيساً لأكبر دولة عربية ، ممثلاً عن التيار الإسلامي . وهي المرة الأولى التي يصبح فيها أحد أبناء الإسلام السياسي في أعلى منصب سياسي في بلد عربي . وبالمناسبة فان إضافة اسم ( محمد ) الذي يسبق أسماء المصريين شائعٌ جدا خاصة في المناطق الشعبية والأرياف تبرّكاً وحباً للرسول عليه الصلاة والسلام .
سنة واحدة كانت فترة الحكم ( الصّوري ) لمرسي ، إذ أنّه لم يكن حاكماً فعلياً ، فهو لم يُمكّن من الحكم طيلة هذا العام . وبالتالي فانّ من الظّلم الحكم على تجربة حاكم لم يُتح له المجال ليمارس صلاحياته كاملة وبسهولة . وكان ذلك له عدة أسباب خارجية وشخصيّة .
بعد النجاح الخاطف للثورة التونسية ، والبداية غير المتوقّعة للثورة المصرية ، والتي بدا أنّ الجميع تفاجأ بها ، وما أن تعاظمت واستعصت على القمع ، أدرك الجميع أنّ النّظام ساقطٌ لا محالة ، بدأت خيوط المؤامرة على الثّورة ، حتى يكون البديل مأموناُ . فكانت حركة الجيش ، فهو من جهةٍ ظهر كأنه حمى الثورة ومن جهةٍ أُخرى كان بديلاً مقبولاً للجميع .
وبعد نتيجة مجلس الشّعب ومعرفة ميزان القُوى ، كان التخطيط للسيطرة على رئاسة الجمهورية ، وكان المأمول أن يكون الرئيس هو أحد رجال العهد الماضي . وقد استنفر النظام كل قوته ووسائله كي ينجح شفيق وقد تأجّل إعلان النتيجة علّه يمكن التّلاعب بها ولما يئسوا من ذلك ، اتخّذ المجلس العسكري مجموعة قرارات لتبقى السلطات الفعلية بيده ويكون الفائز مجرد صورة رئيس .
وعندما أطاح الرئيس بالمجلس العسكري ، بدأت المؤامرة تأخذ أشكالا جديدة بتحالف غير مقدس بين المال القذر الخارجي والرّباعي ، القضاء المسيّس وإعلام أصحاب رؤوس المال والنّظام الأمني السابق والمنتفعين من النظام البائد . وقاموا بحملة منسّقة وبتواطؤ مكشوف لإفشال الرئيس . وقد حاول الرئيس تنفيذ برنامجه إلاّ أن هذه القوى استماتت في عرقلته وإظهاره كعاجز ، واستعملوا كافة الوسائل من المظاهرات والاعتصام وقطع الطرق والحرق والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة والقتل ..
وكانت مسرحية ( ثورة ) الثلاثين من يونيو قمّة هذه المؤامرة . حيث تمّ تجميع عدد كبير نسبيا من الناس وبوسائل مختلفة ولأسباب متباينة أيضا وتمّ تصويرهم بالطائرات سينمائياً وبإخراجٍ خبيث تمّ فيه التّلاعب بالأعداد والحركة ، دفع الجيش لإكمال الدّور بالتّدخل وإلغاء كل مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير .
لم يكن لهذه المؤامرة أن تنجح وبهذه السهولة ، لو أنّ الرئيس تخلى عن تردده وطيبته الزائد ة واستمع إلى نصائح كثيرة بضرورة المسارعة بتطهير مؤسسات القضاء والإعلام والداخلية . واللجوء إلى الشّعب في حال وجود معيقات ، واطلاعه على الجهات التي تُقاوم الإصلاح حتى لو أدى ذلك لقيام ثورة ثانية .
أعلم أنه ليس وقت التّلاوم ، ولكنّ التاريخ دروس وعبر . وأطن أن من دعم الرئيس سيقوم بدراسة متأنيّة لكل الأحداث خلال هذا العام وتحليلها ليُصار لتلافي الأخطاء وأسبابها مستقبلاً . وممّا يجب دراسته أيضاً هل كان قرار التّرشّح للرئاسة متعجّلاً ، وهل أُخذ بالحسبان التّجارب السابقة ومدى تقّبلها خارجياً وداخلياً . وكيف تمت محاربتها وإفشالها أو محاولة إجهاضها .
ما يحدث في مصر الآن له ما بعده ، فان استقّر الأمر للانقلاب ، فسيكون انتكاسة شديدة للربيع العربي ، وعودة إلى ما قبل عهد الديمقراطيّة والاختيار الحر لقائدٍ حر من قِبلِ شعبٍ حر .