"قلعة الحرية".. إلى أين؟

جريدة "العرب اليوم" هي اليوم في "أزمة"؛ وإنِّي لأرى في بعضٍ من أبعاد وجوانب وأوجه هذه الأزمة أزمة في الإعلام الأردني على وجه العموم، وفي الصحافة اليومية على وجه الخصوص.
وهذه الجريدة، التي أعمل فيها مُذْ خرجت إلى الوجود، ولن أسمح لمصلحتي الشخصية الوظيفية بأنْ تُفْسِد "الموضوعية" لديَّ في النَّظر إلى الأمور، هي، بالمعايير الأردنية، ومن وجهة نظر الجريدة نفسها، ومن وجهة نظر شريحة كبيرة من أهل الفكر والقلم، والمشتغلين بالصحافة، "مستقلة"، أيْ ليست حكومية، ولا شبه حكومية، وتميل أكثر من غيرها إلى قضايا ومواقف تَكْمُن فيها "معارَضَة"، قوامها الانتصار (قَدَر الإمكان والمستطاع) لمصالح وحقوق ومطالب شعبية عامَّة؛ إنَّها "معارِضَة"؛ لكن من جنس ونوع "المعارَضَة الأردنية"، التي لم تُوفَّق بَعْد في التأسيس لمعارضة حقيقية.
لكن، دَعُوني الآن أنْظُر إلى قضية "العرب اليوم" بمنأى عن مالكها، وقضيته، وعن "القضاء"، وحتى عن "القضاء والقدر"، وأسأل "أهل الإصلاح السياسي والديمقراطي"، الذي يتقدَّم في استمرار على ما يرون، "هل من الديمقراطية في الإعلام والصحافة (لا بَلْ هل من القيم والمبادئ الإنسانية) أنْ يكون مصير الجريدة (بما تُمثِّل، وبموظَّفيها وعائلاتهم) من مصير شخص يملكها؟".
إنَّ إجابة هذا السؤال (لا بَلْ السؤال نفسه) لا تشغل حيِّزاً من اهتمام مَنْ أسبغ الله عليه نِعْمة "ذهنية البقالة"، فهو (و"هو" تعني "هُمْ") يُعامِل الجريدة، ولجهة بقائها من عدمه، على أنَّها "بقالة"، أيْ محل يبيع البقل؛ فإنْ توقَّفت (أو أُوْقِفت في طريقة "ذكية") عن الصدور فإنَّ "مسيرة الإصلاح" لن تتوقَّف أبداً!
إنَّهم يكفي أنْ ينظروا إلى أمْر "العرب اليوم" في هذه الطريقة حتى يقيموا الدليل بأنفسهم على أنَّهم "دُعاة إصلاح" لا مكان فيه لـ "صاحبة الجلالة"، و"السلطة الرابعة"، و"صناعة الرأي العام"؛ وأنا لا ألومهم على ما يقولون ويرون؛ فـ "الدولة" عندنا لا تتوقَّف عن "الصدور"، ولو توقَّفت "السلطات الثلاث"، وفي مقدَّمها "السلطة التشريعية"، عن "الصدور"؛ وأنا شخصياً من المنادين بـ "إصلاح" يقوم على غياب شمس "البرلمان (وأهله)" إلى الأبد؛ فإنَّ في غيابها يَحْضُر كثيرٌ من الأمل في "الإصلاح"، أو في شيء منه.
هؤلاء اعتادوا (والتجربة هي التي عودَّتهم) أنْ يفهموا "السلطات الثلاث" على أنَّها أجسام عديمة الوزن، أو ظِلالٌ بلا أجسام؛ فكيف لكَ أنْ تشرح لهم الأهمية (والضرورة) السياسية والديمقراطية والإصلاحية لوجود وبقاء "السلطة الرابعة"؟!
قُلْ لي كَمْ لديكَ من "الأحرار"، أقُلْ لكَ كَمْ لديكَ من "حريِّة المجتمع"، أو من "المجتمع الحُر"؛ وقُلْ لي كَمْ لديكَ من "الديمقراطيين"، أقُلْ لكَ كم لديكَ من "المجتمع الديمقراطي"؛ وقُلْ لي كَمْ لديكَ من "الصحافيين الأحرار"، أقُلْ لكَ كَمْ لديكَ من "حرِّيَّة الصحافة"، أو من "الصحافة الحُرَّة".
وإنَّني لأسأل "الدولة": هل تريدين، أو هل تسايرين مَنْ يريدون، جَعْل صحافيي "العرب اليوم" في "حالٍ إنسانية" تضطَّرهم إلى أنْ يَسْتَرْخِصوا بَيْع ما لا يُباع بثلاثين من الفضة، أو أنْ يُنْكِروا "الكلمة" ثلاث مرَّات قبل صياح الدِّيك؟
هذا السؤال لم أستشعر أهمية وضرورة طرحه وإثارته إلاَّ لكوني قرأتُ في "فنجان" جريدة "العرب اليوم" ما جعلني أزداد اقتناعاً بأنَّ "الصحافي الحُر"، أيْ الحُرُّ من ضغوطٍ كالضغوط التي يتعرَّض لها الآن صحافيو وموظَّفو "العرب اليوم"، هو وحده، لا شريكَ له، في خَلْق "الصحيفة الحُرَّة".
"الدولة" أشهرت إيمانها بـ "الإصلاح السياسي والديمقراطي.."؛ وهذا "الإيمان" ينبغي له أنْ يَجُبُّ ما كان قبله من كُفْر وذنوب (من الجنس نفسه). وهذا "الإيمان" يجب أنْ يُظْهِره "الفعل"؛ و"الفعل" هو أنْ تقول "الدولة" إنَّ "العرب اليوم" ليست "بقالة"، مصيرها من مصير مالكها؛ فإنَّ لها من "الأهمية الإعلامية" لـ "مسيرة الإصلاح" ما ينبغي له أنْ يبقيها على قَيْد الحياة؛ و"الدولة"، بصفة كونها "ممثِّل المصلحة العامة"، و"صاحب الحق الشَّرعي في إنفاق الضرائب"، لن تسمح بمنع "رغيف" هذه الجريدة، وبما هو عليه من "مذاق سياسي"، عن الراغبين في "استهلاكه"، وهٌمْ فئة واسعة من الشعب.
"الدولة" تغدو "متَّهَمَة" إذا ما استَذْرَعت بـ "مَنْقَبَتيِّ": تَرْك ما للقضاء للقضاء، وتَرْك ما للقطاع الخاص للقطاع الخاص.
كلاَّ؛ إنَّ قضية "العرب اليوم"، وإنْ اشتملت على عنصر يخُصُّ "القطاع الخاص"، لا تَعْدِل، ولا يمكن أنْ تَعْدِل، هذا العنصر؛ فـ "العام" فيها يجب أنْ يُرى الآن، وقبل فوت الأوان.