الوجع المصري ونهاية القوميّة العربيّة


ان ما يجري في ارض الكنانة هو وجع عربي بإمتياز وهو خطير جدّا وسيكون له آثار هامّة على دول عربيّة اخرى على مختلف الاصعدة الحياتية الاقتصادية والاجتماعية بل والسياديّة .
وما يجري هو تعطيل للديموقراطيّة غُلّفت بدعم شعبي واسع من خلال مسيرات مليونيّة استطاعت ان تتماشى مع قرارات الجيش المصري متمثِّلا برئيس هيئة الاركان السيسي ودعمت تلك الحركة بموافقة منظورة من رئيس الازهر والبطرك القبطي وممثلي حركات المعارضة وبدى كأن هناك إجماع شعبي سُخِّرلمعاداة جماعة الاخوان والتيّار الاسلامي واهل فلسطين في غزّة وكأن السيسي واعوانه مطلوب منه تنفيذ خطّة معادية لسيادة مصر على نفسها وقد تم في الستينات من القرن الماضي محاربة اعضاء في الجماعة ولكن لم يسقط تلك الاعداد من الضحايا ولم يتم التضييق على الناس بهذا الشكل ولم يتم استخدام الجيش المصري لقتل المصريّين ولم يتمثّل المصريّين او بعضهم ممن يوجد على انتمائاتهم شبهات ارتباط مع دول اجنبية قد تكون معادية لمصر العربيّة .
وما يجري اليوم في مصر خطير جدا لأنّه قد يقسم العالم العربي الى تحالفات اكثر من تلك التي سبّبتها زيارة السادات لإسرائيل في اواخر السبعينات من القرن الماضي وعادت بالعرب سنين طويلة الى الوراء كما سبّبت تفسيخ الموقف العربي تجاه اسرائيل وكان ما كان من مؤتمر مدريد عام 1991 وتلاه اتفاق اوسلوا عام 1993 وبعدها بعام اتفاقية وادي عربة عام 1994 وبعدها بتسع سنوات في عام 2003 تدمير واحتلال العراق الذي كان الضربة التي قسمت ظهر البعير وبعدها بثماني سنوات بدأ الربيع العربي الذي قد يكون تفكّك مصر إحدى النتائج المخطّط لها إضافة الى مزيد من التقسيم للدول العربيّة وتفتيت سياداتها بل وتكريس الاصول الفرعونيّة والدرزية والتركمانية والكرديّة والقبطيّة والعلويّة والشيعيّة وغيرها .
وقد يكون قد خُطِّط مسبقا انه قبل ان يمر مائة عام على قسمة سايكس بيكو الاولى عام 1916 ان تفرغ الدول الاستعمارية والصهيّونية العالمية بقيادة اسرائيليّة من المرحلة الثانية لتقسيم منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا حسب المنظور الإسرائيلي لما يسمّى الشرق الاوسط الجديد او الكبير يكون الهدف الرئيسي منه حماية الكيان اليهودي على ارض فلسطين وتكريس دور رئيس لها في اقتصاد المنطقة وتوجيه التجارة الاقليمية والعالمية فيها والموجّه الرئيس لمياهها وثرواتها النفطية والغاز المنتج فيها ونهاية هذا المخطط هو الانتهاء من تدجين الشعوب العربية وزيادة الفرقة وتفكيك الروابط القوميّة بين شعوبها واختيار قادة جدد لدولها تتكيّف مع الوضع الجديد وهذا بالضبط ما يحصل الان من خلال ما يسمّى بالربيع العربي الذي يحصد الاف القتلى وما زال كما انّه يدمّر الكثير من التراث والثروات العربية وحتّى يقضي على الكثير من الشباب الحر الذي ما زال يؤمن ان القوميّة العربيّة حلم قابل للتحقيق وان الراية العربية لا بدّ لها من ان تخفق من جديد بل وهؤلاء الاحرار لا زالوا يؤمنوا ان الوحدة العربية قادمة وان اسرائيل الى زوال قريبا إضافة الى هدف الدول الغربية على التحكّم بالثروات العربيّة خاصّة النفطيّة منها .
إنّ ما يجري في مصر هو المؤشِّر الأكثر تأثير في مسار الخطّة اكثر مما يجري الان في سوريا والعراق تلك الدول العربيّة الثلاث التي طالما لعبت الدور الرئيس في الوضع العربي وتقلّص دورها شيئا فشيئا حتى تصدّرت دولا اخرى الريادة في التأثير العربي وما يجري في الوضع المصري قد يكون فيه تحجيما او على الاقل تدجينا لموقف الأطياف العقائديّة خاصة التي تتخذ من الاسلام السياسي طريقا ودعما شعبيّا لها للإستحواذ على الحكم في مناطق مختلفة من الشرق الاوسط وشمال إفريقيا وإيران وتركيّا وخلال السنين الخمسة القادمة تنتهي اسرائيل والعالم الغربي من تطبيق الخطّة الموضوعة وسيتم ترتيب الخارطة الجغرافيّة والسياسيّة والديموغرافيّة في المنطقة المستهدفة .
حمى الله وطننا العربي من كل مخططات الاعداء وشروره وخفّف على الشعب المصري وجعه وحمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة من كل اذى .