دموعكم غالية


يأتي شهر رمضان المبارك ، وتأتي معه عاداته الجميلة وطقوسه الرائعة . ومن أهمها اجتماع الأسرة الإجباري في وقت واحد ومكانٍ واحد ، وهذا نادر الحدوث في الأيام الأخرى من العام ، لاختلاف ظروف أفراد الأسرة وتفاوت أوقاتهم . فمجرد هذا الاجتماع هو مصدر سعادة غامرة وبهجة للأسر .
ولكن ..
هناك من يذرفون دموعا غالية ، قبل أو أثناء أو بعد هذا الاجتماع . ولأكثر من سبب .
فهناك أُسر ثنائيّة ، تتكوّن من الزوج والزوجة فقط ، حُرموا من نعمة الإنجاب . فيجلسا وحيديْن على المائدة . فالبيت يخلو من مشاغبة الصّغار وشقاواتهم ، ومطالبهم التي لا تنتهي في مثل هذه الأيام . فتقوم الأم بتجهيز ما يطلبه كلّ فرخ وهي راضية فرحة . ما يطلبوه أحب إليها مما تحبه . هذان الزوجان غالبا ما تنزل من أحدهما أو كليهما دمعةّ يحاول كل واحد منهما إخفاءها عن رفيقه .
وأسرٌ ثنائيّة أيضاً ، لم يُحرموا من الأبناء ، ولكنهم أصبحوا بحكمهم . فكبرت الفراخ واكتست ريشا وقويت أجنحتها ، فتفرقوا في الأمصار طلباً للعلم أو الرزق ، بل بعضهم تنكّر لوالديه فلا يسأل ولا يزور متذرعا بظروف والتزامات . هذين الوالدين لا بد أن يذرفا دموعا مشتركة تختلط بكل لقمة ، وهم يتذكرون ماضٍ لن يعود ، يوم كانت الأسرة مكتملة تلتفّ حول الأب والأم بسعادة وهناء .
وهناكَ أسر ، اجتمعت ولكن بنصابٍ ناقص ، حيث غاب عنها أحد أفرادها ، لسببٍ أو لآخر ، بعضهم للعلم وآخرين للعمل وهناك من غيّبهم هادم اللذات ومفرّق الجماعات . فهذه الأسر تجتمع وغصة بطعم العلقم مع كل لقمة وكل كلمة وكل إشارة وكل نظرة في أي اتّجاهٍ من البيت . فكلّ ما فيه يُذكّر بهم . وهل نُسوا أصلا حتى يُذكروا ، فهم الغائبون الحضور .
ولا ننسى الآباء والأمّهات من كبار السن الذين اضطرتهم ظروفٌ كثيرة ، أحدها عقوق الأبناء ، إلى اللجوء لمراكز يعيشون فيها بعيدا عن أجواء الأسرة الدافئ . لقد تشرفت بزيارتهم عدة مرات وكان أحدهم دموعه تسبق كلامه . وأيضا أيتام حُرموا نعمة العيش في كنف والدين ، يتواجدون في مراكز للأيتام ، ينامون ودموعهم تبلل وسائدهم .
وفي هذا المقام لا بد من ذكر الأعزاء هاشم سليمان الحيصة والديه وإخوانه وأخواته وعائله . وباسم الروابدة وزوجته وأطفاله وعائلته . وثابت ووالديه وعائلته . و طارق خضر وعائلته . آملا أن يتم إطلاق سراحهم وعودتهم إلى أسرهم لتكتمل فرحة أسرهم بجمع شمل أسرهم هم وأمثالهم من السجناء . وأيضا الأسرى وعائلاتهم وما تعانيه ، أسأل الله لهم الحرية جميعا لتسعد بهم عائلاتهم .
كما لا ننسى الدموع المختلطة بالدماء للأهل في سوريا ومصر وفلسطين ومناطق أُخرى من العالم . هذه الشعوب العظيمة التي أتقنت ثنائيّة الدم والدموع . نسأل الله لهم بالفرج القريب العاجل .
هؤلاء جميعا دموعهم غالية علينا جدا وتسبب لنا الألم والغصّة . فكيف يشعر بالسعادة من يرى أو يعلم أن غيرها يفتقدها أو يعيشها ناقصة .