اليوم القاهرة وغداً غزة



حركة الإخوان المسلمين، التي حصلت على الأغلبية التشريعية في فلسطين في كانون الثاني 2006، هي نفسها التي حققت الأغلبية البرلمانية في مصر، ونجح مرشحها محمد مرسي وتولى رئاسته يوم 30 حزيران العام 2012، وكلاهما حقق النتائج بانتخابات نزيهة واعتماداً على انحيازات الشارع الفلسطيني لحركة حماس، والمصري لمحمد مرسي، وكلاهما، من طينة واحدة، فكرية وسياسية وحزبية لمرجعية واحدة، تدين بالولاء للمرشد العام محمد بديع، ولمكتب الإرشاد المركزي (18 عضواً ) .
حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، وحزب الحرية والعدالة في مصر، وجهان سياسيان لحركة الإخوان المسلمين الواحدة الموحدة، في فلسطين ومصر والأردن وسورية والخليج العربي وباقي الأقطار العربية وتنتشر في أكثر من ثمانين بلداً على مستوى العالم، لها رؤية واحدة، تدعم بعضها بعضاً، وهي روافع لجهاز سياسي واحد يقوده المرشد ومكتبه المركزي، مثلما تفعل ولاية الفقيه الإيراني مع الأحزاب والفصائل التي تتبعه، ومثلما يفعل قائد تنظيم القاعدة أيمن الظاهري مع الفصائل الجهادية التي تدين له بالولاء والارتباط.
"حماس" الفلسطينية، اعتماداً على صناديق الاقتراع تولت رئاستي المجلس التشريعي والحكومة عام 2006، وحزب الحرية والعدالة المصري تولى رئاستي مجلس الشعب والحكومة، اعتماداً على نتائج الأغلبية التي حصل عليها أيضاً عام 2011، في فلسطين لم تكتف "حماس" برئاستي الحكومة والبرلمان، فقامت بانقلابها عبر قرارها الذي أطلقت عليه "الحسم العسكري" واستولت على السلطة والإدارة والأمن والمؤسسات منفردة، تحت حجة استدراك انقلاب كانت تعد له حركة فتح، فتغدت بها قبل أن تكون وجبة عشاء لغيرها، وهي حجة قد تبدو ملفقة وقد تكون صحيحة، ولكنها في الحالتين لم تحصل، واستولت "حماس" على السلطة منفردة منذ حزيران 2007 إلى الآن بلا تغيير أو تبديل أو انتخابات لا طلابية ولا نقابية ولا بلدية وطبعاً برفض مطلق للانتخابات التشريعية والرئاسية، مع أن الرئيس المنتخب انتهت ولايته، والمجلس التشريعي المنتخب انتهت ولايته، والأمر سيان بوجود شرعية أو بفقدانها، بوجود تعددية أو بدونها، فالاحترام والتقدير لمصدر الشرعية الشعب الفلسطيني لا أحد ينظر له لا باهتمام ولا باحترام!!.
وفي مصر فازت حركة الإخوان المسلمين بالأغلبية البرلمانية 2011، وفي رئاسة الجمهورية 2012، وسعت عبر سلسلة إجراءات أحادية من لون واحد، الاستيلاء على مؤسسات صنع القرار برمتها، والاستفراد بالحكم عبر سلسلة قرارات أصدرها الرئيس مرسي وحصّن نفسه من أي مساس بسلطاته، ولكن الشعب المصري الذي أسقط مبارك بالتعاون مع الجيش ورفع الغطاء الدولي عنه، قام بنفس الحركة وبنفس الاحتجاجات وإن كانت أقوى وأشد وأكثر اتساعاً يوم 30 حزيران 2013، نظراً لما يتمتع به الرئيس مرسي من شرعية كونه منتخباً، ويستند لحركة سياسية هي الأقوى ليس فقط على الصعيد المصري، بل هي الأكثر نفوذاً على المستوى العربي، ولذلك تطلب الأمر من أجل التغيير قوى أوسع حتى يتحرك الجيش ويقبل المجتمع الدولي بهذا التحرك وبالتغيير.
سقوط الرئيس مرسي، ليس سقوطاً شخصياً له وحسب، ولكنه سقوط لحركته السياسية التي كانت صاعدة على المستوى العربي، ونجاحها في عدد من البلدان العربية عزز مكانتها خاصة بعد إعادة وصل ما انقطع بينها وبين الأميركيين، فعاد التفاهم بينهما كما كان سائداً طوال مرحلة الحرب الباردة 1950- 1990، وأثمر هذا التفاهم من الطرفين كل من موقعه على تحقيق الهزيمة للعدو المشترك: 1- الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، و2- حصار العراق ودماره وسقوط نظامه القومي وإعدام رئيسه الراحل صدام حسين.
سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر سيعكس نفسه على اهتزاز نظام حركة حماس الإخواني في قطاع غزة لسببين:
أولهما: معنوي سياسي سيحفز أهالي قطاع غزة نحو التحرك الجماهيري الاحتجاجي السلمي المدني الديمقراطي برفض الأحادية والتسلط وهيمنة اللون الواحد والحزب الواحد على مقدرات البلد المبتلى بالحصار والجوع وغياب الديمقراطية وفقدان تعبيرات التعددية وشواهدها، فشكل ومضمون حكم حركة الإخوان المسلمين وتنظيمها حركة حماس لقطاع غزة، لا يختلف في جوهره ومضمونه وسلوكه الأحادي وتسلطه عن حزب زين العابدين بن علي في تونس، وحزب حسني مبارك في مصر، وحزب عبد الله صالح في اليمن، ولجان معمر القذافي الثورية في ليبيا، وها هو يتعزز الانطباع عنه بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفشله في إدارة الدولة المصرية، وهو الفشل نفسه الذي يقود حركة حماس الإخوانية في قطاع غزة، لا نظام مقاومة يتصدى للعدو الإسرائيلي، ولا نظاماً ديمقراطياً تعددياً يتوسل تحقيق التنمية والكرامة لفلسطينيي القطاع الذين دفعوا ثمناً باهظاً من أجل التخلص من الاحتلال وطرده ورحيله، فتخلصوا من الاحتلال فوقعوا تحت براثن الأصولية والتخلف والرجعية وسلوك الإخوان المسلمين الأحادي التسلطي المنفرد.
وثانيهما: مادي حيث ستفقد "حماس ظهيرها" ورافعتها ودعمها السياسي من قبل رأس الدولة المصرية، ومن قبل حركة الإخوان المسلمين التي تحولت بفعل الفشل إلى حركة تدافع عن نفسها، بعد أن كانت هجومية في الحفاظ على ما وصلت إليه وتسعى لتطويره وتوسيعه.
ما فعله المصريون في القاهرة، سيفعله الفلسطينيون في غزة، فالعدو واحد وهو العدو الإسرائيلي الذي يعيش رحابة الهدوء بفعل كامب ديفيد المصري وبفعل "تفاهمات القاهرة" الفلسطينية التي توصل إليها الرئيس محمد مرسي مع العدو الإسرائيلي، ووقعه مساعده للشؤون الخارجية عصام الحداد عضو مكتب الإرشاد، مع إسحق مولخو مستشار نتنياهو لفرض وقف إطلاق النار يوم 21/11/2012، ووقف أي عمل مقاوم من غزة باتجاه مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، والخصم واحد في كل من القاهرة وغزة، للقطاع الأوسع من المصريين والفلسطينيين، وهو نظام حركة الإخوان المسلمين في القاهرة وفي غزة، وها هو الأول مطارد من قبل جموع المصريين في الشوارع التي شهدت أكبر احتجاجات على الرئيس الإخواني، والثاني في قطاع غزة الذي يتمتع بالهدوء والاستفراد في الحكم، وهو وضع لن يستديم له، طالما بقي منفرداً ومتسلطاً ورافضاً الاحتكام مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع.
h.faraneh@yahoo.com