الدرس البليغ من ثورة مصر


 
سوف تمضي الثورة المصرية إلى غاياتها، أقصد ثورة 25 يناير والحركة التصحيحية في 30 يونيو، لكن قد تتعثر هنا، وتبطئ هناك، وقد يتم وضع مطبات أمام دواليبها، لكن في النهاية سوف تتحقق مطالبها، في الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والامن الاقتصادي، والاستقلال السياسي.
لهذا فإن الدرس البليغ المكرر والمستفاد من التطورات السياسية الاخيرة في مصر، يشبه في عمقه وبساطته معًا، الشخصية الوطنية المصرية الجميلة ، التي لا تقبل الضّيم، وترفض العنف، وتتمسك بحقها في التغيير السلمي، وتتشبث حتى النهاية بهويتها الوطنية والقومية، بل تقاوم كل من يحاول الارتداد عليها او تجاوزها.
النخب السياسية العربية الحاكمة ـ قديما وحديثا ـ لا تريد ان تعترف بموجبات عصر الثورات والتغيير، وتدير ظهرها للمطالب الشعبية او تلتف عليها او تقمعها، حتى لو بلغ صوت الاحتجاجات كل فضاءات الوطن، لذلك نراها تتمسك بأدواتها القديمة في الحكم، وتسير في الانفاق السرية والعلنية نفسها مع الجهات الدولية الداعمة، بعيدا عن رقابة الشعب، وتحت ادعاءات وخطابات تضليلية، لم تعد خافية على أحد.
"رضي من رضي وغضب من غضب" الجميع يعلمون ان حزب الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، جاء بمساندة الإدارة الأميركية، وبناء على جملة من الاتفاقات والتطمينات والتعهدات المتعلقة بالأوضاع الداخلية والخارجية.
إلا أن الوقائع الميدانية والانفجار الشعبي ، قد أربكا حسابات الإدارة الأميركية، وصعق القيادات الإخوانية التي لا تقيم وزنا من أي نوع لمطالب الثورة.
سيل الوعود، التي قطعتها على نفسها إبان الانتخابات الرئاسية- بدءا من الالتزام بقواعد الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية وحقوق المرأة والأقباط- لم تفعل شيئا باتجاه تحقيقها خلال عام على حكم مرسي، لا بل ذهبت إلى "أخونة الدولة".
المدهش في ما يفكر به قادة حزب الإخوان في مصر هو الوهم بإمكان السيطرة على الحكم في ظل إدارة الظهر لمطالب الثورة والضحك على ذقون الشعب.
ربما كان هذا الوهم قابلا للتحقيق في ما مضى، اي قبل عصر الثورات الشعبية، وقبل ما وقع من انكسارات في العالم الرأسمالي وسياساته التدميرية.
وقبل ان يعبّر الشعب المصري في الشوارع "ان كان 30 مليونا ام 10" عن سخطه من استبداد الحزب الواحد في الحكم.
وقبل ان تكتشف الشعوب العربية جميعها حجم النهب الذي تقوم به الفئات الحاكمة بالتحالف مع القوى الرأسمالية العالمية للثروات الفلكية في المنطقة العربية، على حساب قوتهم وكرامتهم وانسانيتهم .
هكذا، كرر حزب الإخوان ما فعله السّلف المعزول، بالاعتماد على مساندة وتأييد الإدارة الأميركية "العتيدة " وفق تقديرات ومعلومات وتقويمات ثبت فشلها بتظاهرات مليونية في الشوارع المصرية، أذهلت العالم اجمع واصابت الكثيرين بالصدمة.
لم تعد كلمة السر هي "رضا وموافقة الادارة الاميركية" في كل شأن وطني أو إقليمي على اهمية دور الولايات المتحدة المحوري في العالم، الا ان تغييرات جدية قد وقعت وأدت الى خلخلة بنية النظام الرأسمالي برمّته، وظهور قوى عالمية جديدة، تحدّت القطب الاميركي الأوحد في اكثر من مكان في العالم.
لنصعد في الغضب اكثر للذين لا يؤمنون بتعددية الآراء، ألا ترون معي أن مشروع الإخوان المسلمين برمته قد اثبت بؤسه وبفترة بسيطة، وأنه غير قابل للحياة؟