الغر فة رقم 21

      

أعلن الشعب الليبراشكي المتمرد على أفكار السلطان أن الفرصة لم تعد مواتية لمواءمة الأفكار، والوصول إلى تناغمية توافقية بينهم وبين السلطان، وأنه على هذا الأساس تم تقويم التجربة الطويلة ووضعها في الميزان.. ولما كانت التجربة تحكي قصة مريرة من الطغيان، والظلم والبهتان، رفع الشعب شارة التمرد والثورة، واتجهوا صوب أسواق المدينة، وظهروا على صعيد واحد، هتفوا، انتصروا، تمردوا، أعلنوا أنهم بعد اليوم ليس مثلما قبله، وأنهم في حالة من الشجاعة غير مسبوقة، ومن الثورة غير مقطوعة، وأن حكوماتهم التي استمرأت الضحك على ذقونهم لعقود، لم تعد قادرة على المزيد، وأنها لا محالة إلى سقوط..!!

استجمع الليبراشكيون قوتهم، وراحوا إلى ميادين الثورة، يطرحون أفكارهم في التغيير.. فكرة.. فكرة، وكلما سقط "أبرهة" كانوا يحتفلون ويهتفون ويرفعون السبابة والوسطى يلتمسون من الله النصرة.. أي نصر هذا الذي بدأ يتحقق، في غمرة الهزيمة، والانكسار، وقد تحررت الأرض وسعدت السماء، واستعادت ألقها الدار، وفاز منْ فاز، وسقطت أقنعة عن وجوه خالطها الشنار وشابها العار..!!

ومع حالة الجموع الثائرة، التي آلمها الجوع والحرمان، وهدّها القهر والطغيان، بدأت تنتشر بين الليبراشكيين أفكار تمردية هائلة، انعكست على الشارع، حتى لم يعد بينهم قابع أو خانع، وهبّوا هبّة رجل واحد.. نريده تغييراً جذرياً شاملاً.. فليست المسألة خبزا ولا ملحا.. ولا سمناً ولا عسلا، ولا صلحاً ولا سمحا.. إنها البداية المحروقة، وقد تهافتت الثلة، ولم تبرح حالة الافتئات، وأمعنت في البغي والانفلات، وما برحت مكانها حتى تركت وراءها كثرة مسحوقة.. تألمت، نزفت، حتى فاض بها الألم والدم فتمردت وثارت..!!

وحين كان الليبراشكيون يتواصلون من مدينة إلى مدينة ومن إقليم إلى إقليم، كانوا يتواصون بالصبر، وبالعزيمة والنصر، وكلما مروا على أهل حي ساكنين، أيقظوهم، وطرقوا على أبوابهم المهترئة، وهمّوا بإخراجهم من بيوتهم، فلم يعد لديهم من فرصة سوى هذه الفرصة، وأولى بهم أن ينتهزوها.. وفي كل مرة يستوعب هؤلاء أفكار الثورة، يجتاحهم إحساس بقوة جبارة.. ثم يذهبون بحثاً عن وسيلة لإلقاء ظالميهم في البحر..!

تفاءل الليبراشكيون بمستقبل زاهر، ولم تلفتهم توسلات سلاطين زعموا أنهم بدأوا يفهمونهم.. آلـْ آن (آلآن..) بعد ردح قاهر..!! لا وألف لا لن تفيدكم توسلاتكم، ولن ينفعكم فهمكم.. فإلى الغرفة 21، فثمّة جلاّد بانتظاركم.. هو لن يذيقكم طعم سوطه.. فقط ستواجهون مصيركم قهراً والموت قهراً ألعن ألف مرة من الموت جلدا..!! مشفق أنا على الغرفة 21 تجمعهم فلا يعتبرون..!!