سعوديات جامعيات يغسلن الأموات هرباً من البطالة
اخبار البلد - أفاد تقرير اليوم الخميس أن الإحباط واليأس من الحصول على وظيفة دفع جامعيات سعوديات للعمل مغسلات أموات في المملكة العربية السعودية التي تعاني من أزمة بطالة.
وتعاني السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، من أزمة بطالة متفاقمة وصلت وفقاً لإحصاءات رسمية إلى 10.5 بالمائة في 2009 ارتفاعاً من 10 بالمائة في 2008، وذكر تقرير مؤخراً أن 78 بالمائة من
حاملات الشهادة الجامعية عاطلات عن العمل في السعودية كما أظهرت أخر دراسة رسمية ارتفاع نسبة بطالة السعوديات إلى 28.4 بالمائة في 2009 مقارنة مع 26.9 بالمائة في 2008.
ووفقاً لصحيفة "الوطن" اليومية، دفع الإحباط واليأس من الحصول على وظيفة مناسبة لمؤهلاتهن، مجموعة من الخريجات الجامعيات للبحث عن عمل بديل، أياً كان نوع هذا العمل لسد الحاجة، وفي ظل شح فرص الوظائف المتاحة للفتيات بالقطاع الحكومي وصعوبة حصول بعضهن على فرص وظيفية في مجال التدريس بالمدارس الأهلية لاشتراط هذه المدارس وجود خبرة سابقة أقبلن على عمل غريب، وهو العمل كمغسلات أموات.
ولا يحصل المواطن السعودي على وظيفة حكومية تلقائياً كما هو الحال في باقي دول الخليج مثل الكويت بسبب تجاوز عدد سكان المملكة الـ 27 مليوناً، ومنهم نحو 18 مليوناً سعوديين أكثرهم من الشبان الذين يتزايد عددهم بصورة كبيرة، ويمثل توفير وظائف لهم التحدي الرئيسي للرياض.
وقالت صحيفة "الوطن" اليومية إنها زارت الفتيات العاملات في إحدى مغاسل الأموات الخيرية بمدينة جدة للاطلاع على تفاصيل عملهن في مجال الغسل والتكفين، والتعرف على تجربتهن التي يتهرب منها الكثير من الفتيات، بسبب النظرة الدونية للمجتمع لمثل هذه الوظائف.
وأبدت فاطمة عبد السلام (35 عاماً) تذمرها من العمل كمغسلة للأموات رغم حصولها على بكالوريوس لغة عربية من جامعة الملك عبد العزيز، مضيفة أن تأخر قرار تعيين خريجات هذا القسم يقف حاجزاً أمام كافة خريجات اللغة العربية، مؤكدة أن عملها في مجال التغسيل والتكفين يسبب لها حرجاً اجتماعياً، حيث ينظر إليها الآخرون نظرة دونية، وخاصة الجيران، مما يوقع أسرتها بحرج وعزلة عن الآخرين، مؤكدة أن الحاجة هي التي دفعتها للعمل في هذا المجال.
وعن أصعب المواقف التي تعرضت لها خلال هذا العمل، تقول فاطمة "من أصعب المواقف التي مرت بي حضور جنازة وردت عن طريق سيارة الإسعاف، ولم يحضر معها مرافق، مما أشعرني بألم وحزن شديدين، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه تأتي لهن أحياناً جنائز لسيدات من أسر مرموقة، لكن لا يكشف عن شخصياتهن، وتعرف هذه الشخصيات من المرافقين لهن".
وذكرت فاطمة أن تجربة العمل بمجال غسل الأموات يرافقها العديد من الصعوبات التي لم تكن في الحسبان، إضافة إلى الشعور المخيف والقلق الدائم، إلى جانب عدم تحمل المغسلة بعض مناظر الجثث التي تأتي للمغسلة نتيجة الحوادث أو الحرائق.
وتطرقت فاطمة إلى المحاولات التي بذلتها لكي تحصل على الوظيفة التي كانت ترغب بها طيلة حياتها، إلا أن وزارة الخدمة المدنية لم تتح الفرص الوظيفية المناسبة للكثير من الخريجات اللائي يعانين من ندرة الفرص الوظيفية من قبل الوزارة، مما يدفعهن إلى سنوات الانتظار الطويل التي يعاني منها معظم خريجات الجامعات والتي قد تفوق التسع سنوات.
وبحسب الصحيفة، قالت أم طيف (36 عاماً) "أنا متزوجة، وأعمل في هذا المجال منذ أربع سنوات وذلك بعد حصولي على بكالوريوس التربية الخاصة من جامعة الملك عبدالعزيز، ونتيجة للخلافات الزوجية حصلت على الطلاق وحضانة أولادي الثلاثة، مما دفعني للبحث عن عمل أستطيع من خلاله تأمين متطلبات أبنائي الثلاثة، خاصة أن طليقي لا يلتزم بدفع النفقة، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الخريجات من تأخر وزارة الخدمة في توفير فرص التعيين، لم أجد سوى القبول بالعمل كمغسلة للأموات بالشهادة الجامعية براتب لا يتجاوز ألفي ريال".
وتكشف أم طيف أن العمل في مجال غسل الموتى يتطلب الصبر والشجاعة وتحمل مناظر الجثث، خاصة الناتجة عن الحوادث المرورية، تقول "في إحدى المرات أتت لنا جنازة امرأة توفيت بسبب حادث مروري، وكانت الجثة تفتقد لبعض الأجزاء، حيث قمت بغسيلها وتكفينها".
وقالت المشرفة في المغسلة موضي عبد العزيز (29 عاماً) "أنا حاصلة على بكالوريوس من قسم الدراسات الإسلامية، ولكن شح وظائف الخريجات دفع العديد من الجامعيات للعمل في مغاسل الأموات، وخاصة من لديهن ظروف اقتصادية صعبة أجبرتهن على البحث عن أي وظيفة".
وأضافت أن "الخريجة التي تعمل كمغسلة داخل هذه المغاسل تتقاضى ما يقارب 2000 ريال، ويشمل هذا المبلغ أجرة التنقل من المنزل إلى المغسلة التي تكون في الغالب تابعة المساجد الكبرى"، مشيرة إلى ما تلاقيه هؤلاء الخريجات من مشقة، وتحمل لمسؤولية عظيمة تشعرهن بالخوف"، منتقدة نظرة المجتمع الدونية للفتيات اللائي يعملن في هذا المجال.
ووفقاً لصحيفة "الوطن"، ذكرت مصادر إعلامية بأمانة محافظة جدة أنه يوجد بالأمانة 19 سيدة يعملن في مغاسل الموتى المخصصة للسيدات، وهذه المغاسل صممت بشكل مستقل، بحيث تكون ملحقة بالمقابر التابعة للأمانة، والتي تقدر بنحو 12 مقبرة، مشيرةً إلى أن خبرة هؤلاء السيدات تتفاوت على عدة سنوات، وأنهن يعملن في هذه المغاسل تحت مظلة أمانة المحافظة.
وأضافت المصادر أن هؤلاء السيدات يخضعن لدورات تأهيلية عن طريق مراكز الدعوة التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، وبعد انتهاء هذه الدورات تحصل المتقدمات على وظائف مغسلات عبر شهادات تأهيل من قبل مراكز الدعوة تمكنهن من العمل في مغاسل الموتى.
وقالت المصادر إن "الأمانة لا تشترط على المتقدمات شهادات دراسية معينة، وتكتفي بالدورات التدريبية، وتقبل المتقدمات مهما كانت الشهادة الدراسية الحاصلة عليها السيدة، وتخضع المغسلات إلى أعمال التطوير الفني والشرعي على أيدي متخصصين، ويمنحن رواتب وفق السلم الوظيفي".