الانفجار الشعبي العظيم!!!



اخبار البلد


 بقلم: الصحفي بسام الياسين 


المجتمع العربي المعاصر،يمر بتحولات سياسية حادة،وتغييرات إجتماعية متسارعة.الاهم تنامي الوعي الجماهيري وقدرته على التعبير عما يدور في الرؤوس،والتصريح بما يعتلج في النفوس، بعد ان كسرت الشعوب المرعوبة حواجز الخوف،وحطمت التابوهات المحرمة، و اطاحت باصنامها بإكتشافها انهم مجرد دمى خيوطها مربوطة خارج حدود دولها.




*** تصوغ الاجيال الشابة اليوم مستقبلها،بإمتلاكها ارادتها الحرة،وتحررها من خوفها المزمن،بعد قرون من كوابيس الاستعمار الاجنبي،وعقود من اهانة الحاكم الوطني.فالذاكرة العربية لم تبرأ من السيف المغولي،والخنجر الصليبي،و الكرباج الاوروبي،والخازوق العثماني،وفنون قمع الاجهزة الامنية الوطنية المتمثلة بالحرمان الوظيفي، الى المنع من السفر،والتعذيب الجسدي والنفسي بكل الوانه،ناهيك عن تحطيم الشخصيات المعارضة باستخدام آخر ما توصل اليه علم السفالة من رزالة ـ مثالا لاحصراً ـ تهديد الرئيس احمد بن بيلا ايام اعتقاله من رفاق السلاح بتعرية والدته الثمانينية امام السجناء ان لم يتعاون مع سجانيه.قباحة لم يفعلها الفرنسيون بالثوار رغم بشاعة احتلالهم،و استحى منها الله في عليائه،مصداقا لقول الرسول"ان الله يستحي ان يُعذب شيبةً شابت بالاسلام" لكن الانظمة العربية البوليسية فعلتها لانها لا تستحي.




*** العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، يتخلص بتنازل الفرد عن بعض حريته للدولة مقابل حمايته وحماية ممتلكاته الخاصة،لكن المشكلة اصبحت في الدولة الوطنية ذاتها،فبدلا من "ان تحمي افرادها وتدافع عن حقوق الامة ، تحولت الى اداة قمعية للافراد،و صارت الامة بكل مجاميعها ضحية لتغول الدولة وديكتاتوريتها ".




*** اذا كانت الدولة شراً لا بد منه،فالسبب يعود لاستئثار النخب الحاكمة بالسلطة والثروة والنفوذ والهيمنة على مفاصل الدولة،و توارث المناصب العليا خاصة الحساسة مما عطل النمو الاقتصادي والتنمية السياسية معاً .الاشد سوءاً كان تزييف ارادة الشعب باستجلاب مجالس نيابية مزورة،والتلاعب بالدستور بما يخدم الحاكم،والتدخل في سلطة القضاء حتى غدت الدول العربية مثالا للفساد وقمع الحريات والتفنن في ترويع المواطنيين، فاحتلت بجدارة مراكز متقدمة في مقاييس الفساد و جلست على راس الهرم في الاساءة لمواطنيها حسب تقارير حقوق الانسان .




*** دوام الحال من المحال،سُنة كونية ثابتة،وقانون رباني لا يتبدل.فالطغاة دائما الى زوال،مهما لعبوا بالوقت او تلاعبوا بالدساتير.ومما لاشك فيه،ان الساسة امتصوا غضب الجماهير بالحلول الترقيعية التجميلية لبعض الوقت،بينما نجحت الاجهزة الامنية في تعويق مسيرة الديمقراطية،وتعطيل الاصلاحات،والعبث بصناديق الاقتراع .المفارقة ان الانظمة التي لا توفر الخبز والماء والكهرباء والحد الادنى من شروط الحياة لناسها، لا تتورع عن اطلاق الرصاص على رؤوسهم لمجرد جرأتهم في الاعتراض على واقعهم.فاللوحات الشعبية المرسومة بالدم صباح مساء على شاشات الفضائيات العربية تُغني عن الكلام....!



*** انظمة همشت مجتمعاتها،و قزمت شعوبها،وعوّقت مسيرتها،ففرضت الاحكام العرفية على شعوبها،بذريعة الامن القومي،وتحرير فلسطين،وحضانة المقاومة،وكممت الافواه "فلا صوت يعلو صوت المعركة"،وجوّعت الناس باسم المجهود الحربي.فكانت النتيجة مزيداً من الهزائم والفساد والاستبداد بينما العدو الصهيوني على الضفة الاخرى يطلق الحريات ويمنح التراخيص للاحزاب و ياخذ براي المعارضة، ويرفع سقوف الصحافة،ويفاخر بانه واحة الديمقراطية الوحيد،وسط غابة من الديكتاتوريات العربية.فضيحة الفضائح اننا حاربنا اسرائيل بالدكتاتوريات الوطنية و الاغاني الحماسية والبلاغات الكاذبة، فيما حاربتنا اسرائيل بالديمقراطية والعلم والتكنولوجيا.حاربناها بمجتمعات استهلاكية ودول ريعية وحاربتنا بمجتمع منتج،فإنتصرت علينا في سويعات.




*** بعد هذا الخراب اللامسبوق،احس الشباب العربي بوعيه التقدمي بالخطر المحدق،وان النظام العربي شارف على الانهيار لانه لا يحمل شيئاً من مقومات الحياة،ولا مشروعاً قابلا للحياة.فبالرغم من مساحاته الشاسعة وموارده الكثيرة،وثرواته الضخمة،مازال يستورد القمح والبصل، كما يستورد الاحذية والملابس الداخلية،ويستورد شرائح الكمبيوتر كما يستورد شرائح فحص السكري.لذلك فكر الشباب المستنير ـ الذين يشكل الاغلبية الغالبة، بثورة شاملة تهدم النظام الخرب،وتشّيد مكانه نظاماً عربياً جديدً للدخول الى الالفية الثالثة.




*** الشباب هاجسه التغيير فهو يرى في نفسه انه مصدر السلطات والشرعية ورمز المستقبل،في حين يرى ان انظمته، انظمة تجاوزها الزمن بزمن طويل. لذلك شاهدنا ان التزاحم في الميادين،و الحراكات الشعبية والثورات السلمية يقودها الشباب بثقة واقتدار الى بوابة الحداثة و العصرنة من اجل تجاوز الواقع المعيب الذي يعيش فيه العرب،خاصة بعد افتضاح سوءة الحكام وهشاشة الاحزاب وفساد النخب.




*** الجيل الجديد نهض من غفوته،وخرج من كهفه المظلم لاسترداد حقوقه المسلوبة من حرية وعدالة وديمقراطية وخبز وكرامة.مبشرات تُبشر انه ثار على واقعه المتخلف،واقتصاده المتردي، وحكوماته الهزيلة.جيل قوي صدامي خرج من قمقمه الذي حبسته فيه الانظمة، ليعلن للملأ عن الرغبة في التغيير والتحديث متحدياً خوفه، وبطش جلاديه،واثبت بالقطع انه من الاستحالة التعامل معه باسلوب القطيع مثل "ايام زمان".




*** اللافت في جيل التغيير، ان كل المؤشرات تؤشر ان امساكه باللحظة التاريخية التي طال انتظارها لن يُفلتها او يدعها تتفلت منه قبل ان يحقق حقه بحياة كريمة كانسان،مدركاً ان لا قيمة للافكار ان لم تتجسد حقائق تمشي على قدمين فوق ارض الواقع،وباروداً متفجراً يؤثر بالناس ويقودهم الى حيث يجب ان يكونوا.




*** تأسيساً على ذلك فان استقرار الحكم والحكومات في الوطن العربي لن يتأتى الا بالحكم الرشيد،وحق المواطن الحر باختيار حكوماته و حُكامه ومراقبتهم ومساءلتهم،و الا فان كل الطرق الاخرى ستؤدي للفوضى. وهذا ما يجري في علمنا العربي الذي يقف على فوهة الانفجار الشعبي العظيم....!.