شاكر الجوهري يكتب : عاش الملك.. يسقط الرئيس

 

إذا كان من حق الشعب الأردني أن يطالب بتعديل العقد الإجتماعي، فإن من حقه كذلك التمسك بالنظام.

 

بل إن تعديل العقد الإجتماعي، ممثلا في الدستور، أصبح ـ منذ زمن ـ موضع توافق معلن من قبل جلالة الملك، وقوى المجتمع المدني الأردنية.

 

فجلالة الملك سبق له أن صرح ذات زيارة إلى لندن، بأنه يعمل على تطوير نظام الحكم في الأردن، إلى ملكية دستورية، فيما تطالب جميع أحزاب المعارضة بتغيير آلية تشكيل الحكومات، لتشكل الحكومة من قبل الأغلبية البرلمانية، وهو المطلب الذي يحقق الملكية الدستورية، ما دام الدستور الأردني في صيغته الحالية، يوكل للحكومة الولاية العامة في الدولة.

 

جلالة الملك كررها أكثر من مرة، إن الإصلاح السياسي هو الأساس لبقية الإصلاحات التي يحتاج إليها العباد والبلاد.

 

وهذا ما تطالب به قوى المعارضة بجميع أحزابها، وكذلك أحزاب الموالاة..

 

وعلى خلاف الشعارات التي هتف بها التوانسة، ويهتف بها المصريون الآن، والمطالبة بإسقاط رأس الدولة، وتغيير نظام الحكم، فإن الأردنيين هتفوا في مظاهراتهم بـ:

 

1.      اسقاط وتغيير حكومة سمير الرفاعي.

2.      حل مجلس النواب المزور.

3.      تشكيل حكومة انقاذ وطني انتقالي

4.      اصلاحات سياسية تضمن إعادة بناء نظام الحكم على نحو يمكن الأردنيين من المشاركة في صناعة القرار.

أي عاقل يقرأ هذه الحقيقة لا بد من أن يخلص إلى أن مطالب المعارضة هي صمام الأمان للعرش، فيما تمثل الحكومات غير ذلك..!

والحكومات في تونس ومصر هي التي دفعت الشعبين للمطالبة بتغيير النظام، حين لم تستجب لمطالب الإصلاح

 

السؤال الأساس في الأردن هو: هل يمكن تحقيق الإصلاح على يدي الحكومات المعينة..؟!

الجواب: قطعا لا..!

سبب هذه الـ "لا" يكمن في الحقائق التالية

 

أولا: أن رؤساء الحكومات المعينون لا يمكن أن يقدموا على صنع اصلاحات سياسية تقود إلى تشكيل حكومات الأغلبية البرلمانية غير المزورة، لأنهم حتى بالتزوير لا يضمنوا أن ينتخبهم أحد

 

هؤلاء ذهبت حكوماتهم دائما، استجابة من الملك لمطالب الشعب.

 

 

 

وعلى ذلك، فإن الأردنيين مجمعون الآن على أن مظاهرات ومسيرات الغضب، قد قررت مصير حكومة سمير الرفاعي.

 

ثانيا: أن مجالس نواب الحكومة، لا يمثلون الشعب.. هم يمثلون الحكومة، ولذلك استمعنا إليهم، وشاهدناهم، وهم يهاجمون الشعب، الذي لم ينتخبهم، بل هو يطالب بمجالس نيابية غير مزورة.

 

ولأن النواب هم نواب الحكومة، فإن الحكومات تتمسك بما تراه حقا لها، يتمثل في تعديل قانون الإنتخاب قبيل كل انتخابات، كي يعاد تفصيله بما يضمن احتواء المتغيرات، التي قد تقلل من سيطرة الحكومة على البرلمان..!

 

ثالثا: إن رؤساء الحكومات، يكلفون دون أن يكون لديهم أي برنامج عمل، لا لأنفسهم، ولا للحكومات التي يشكلونها. هم يعلنون فقط التزامهم بكتب التكليف الملكية، المتكررة مع تشكيل كل حكومة، لجهة مضامينها.. ما يعني عدم تحقيق شيئ مما يرد فيها.

 

هؤلاء كل همهم هو البقاء في الحكم لأطول فترة زمنية ممكنة، حاصدين من المكاسب ما لا يتصوره عقل. ولما كان جلالة الملك يأخذ ارادة االشعب بعين الإعتبار، فإن كل همهم يصبح منصبا على خداع الشعب كي لا يطالب بتغيير حكوماتهم، ومنع الشعب من حق المعرفة، لأن معرفة حقائق الأمور هو ما يصنع المواقف الصحيحة والصائبة من الحكومات، وكذلك التعبير عن الرأي، أي الحيلولة دون فهم جلالة الملك لموقف الشعب.

 

لهذا تعنى كل الحكومات بتكميم حرية الصحافة، وترفض الإلتزام بالشعار الملكي "حرية الصحافة سقفها السماء"..

 

رابعا: ولأن هذه الحكومات غير معنية بمصالح الشعب والوطن، نجد أن أيا منها لم تضع خطة تطويرية واحدة، في حين أن الأردنيين تواقون لخطط بناء وتطوير خمسية أو عشرية، كما يحدث في كل دول العالم النامية، حيث تنفق معظم موارد موازنة الدولة الأردنية على بند الرواتب، والمصروفات غير الإنتاجية.. وتترك الدولة تسير على السبحانية، وبقوة الدفع الذاتي، والرعاية الإلهية.

ولكن، إلى متى يمكن للحكومات أن تواصل قمع الحريات الصحفية، وإصدار قوانين تحمل عناوين مناقضة لمضامينها، كما هو حال قانون حق الحصول على المعلومات..؟!

 

لقد كانت الحكومة الراهنة هي الأكثر جرأة على إعلان الحرب على الحريات الصحفية، ومنذ لحظاتها الأولى، وخاصة الصحافة الإلكترونية، بعد اطمئنانها إلى أن مدونتها الإعلامية كفيلة بإغلاق معظم الصحف الأسبوعية.

 

هل يمكن أن تنجح هذه الحكومة في إغلاق، أو تكميم الصحافة الإلكترونية، كما نجحت مع الصحافة الأسبوعية..؟!

عليها في هذه الحالة أن تعلن، حقيقتها للرأي العام، من أنها عدوة للتقدم والتكنلوجيا.

 

 

 

ولكن، عليها أن تتذكر أولا أن "الإنترنت" لعب الدور الرئيس في تعبئة الجماهير التونسية، التي أطاحب بالدكتاتور زين العابدين بن علي.

 

وعليها أن تدرك أن مظاهرات الغضب المصرية، لعب "الإنترنت" الدور الأساس في الدعوة لها، وتنظيمها، وتحديد أماكن تجمع المشاركين فيها، وخط سيرهم، بل والهتافات التي عليهم أن يرددونها.

باختصار: "الإنترنت" انتصر على الحكومتين التونسية ثم المصرية..!

 

وعليها في ضوء كل ذلك أن تتوقف عن تحريض الملك على الشعب..!

 

لقد أصبح كل شيئ ظاهر وبائن للعيان..

 

الشعب الأردني وقوى المعارضة الحية فيه، لم يسع لانتهاز موجة سقوط حجار الدومينو على مستوى الوطن العربي، التي بدأت من تونس، وانتقلت عدواها لمصر.. الشعب الأردني مجمع على ضرورة ادامة النظام.

 

الشعب الأردني كان دوما على هذا الحال، بما في ذلك فيما يخص فزاعة حكومة سليمان النابلسي، التي تشكلت من أحزاب المعارضة..

 

المرحوم النابلسي رفض حين كان رئيسا للحكومة الإندفاع وراء رغبة الملك حسين في دخول الحرب إلى جانب مصر، بمواجهة العدوان الثلاثي سنة 1956.

 

والمرحوم النابلسي لم يكن يوما من خارج نسيج الدولة الأردنية، ولذلك فقد شغل عضوية مجلس الأعيان، بعد اقالة حكومته في ظل ظروف استثنائية.

 

ولذا، فإن على حكومة سمير الرفاعي أن تتوقف طويلا أمام حقيقتين مهمتين:

 

الحقيقة الأولى: أن جماعة الإخوان المسلمين، الحليف التاريخي للنظام، لم يحدث مرة أن خذلته في المفاصل التاريخية.

الحقيقة الثانية: أن سياسة هذه الحكومة، جعلت الإخوان المسلمين، الحزب الوحيد تقريبا، ومعه حزب الوحدة الشعبية، المصران على مواصلة التظاهر حتى اسقاط الحكومة.

 

هذا التغير في موقف الجماعة، صنعته سياسات الحكومة.

ولكن، هذا التغيير يظل قائما في إطار محددات رئيسة:

الأول: رفض التداول غير السلمي للسلطة.

 

الثاني: الإتعاظ من تجارب الدول والشعوب العربية الأخرى، التي عانت الأمرين، وخاصة على صعيد الحريات العامة، على أيدي نظم الحكم الثورية الإنقلابية.

الثالث: الإتزام بالعقد الإجتماعي بين الشعب والأسرة المالكة.

 

 

 

الرابع: أن معظم أنظمة الحكم الشمولية الثورية لم تكن سياساتها يوما غير براغماتية، حالها حال الأنظمة الأخرى، بل أكثر تطرفا لهذه الجهة.

هذا هو موقف الشعب الأردني ومعارضته الراشدة، فما هو المطلوب من الحكومة..؟

مطلوب منها كعنوان عريض، تندرج تحته تفاصيل: أن لا تعموا قلب الشعب، فيتوه عن العقل.