أيام الغضب المصري: الشباب تكلم، والنظام لم يفهم
الأحداث أسرع من الأفكار، الشباب أسبق من الكبار، وهذه دائماً سمة الثورة والثوار.
مصر ليس فقط تتحدث عن نفسها، مصر تحرر نفسها، شبابها الغاضب يجدد كالنسر نفسه،
شبابها البهي يعيد لنا الأمل، يمتشق نخل مصر ويرفعه معلنا رفضه للقمع والزيف والفساد
يغسل أيديه في النيل النبيل الذي شاهد أجداده يبنون أول حضارة علي الأرض لكي ينهل منه قوة وعزماً،
شباب مصر وقلبها الناصع المضيء خرج من أسره وأطلق رسالة سامية عالية ولكن النظام الكهل الذي فقد مع طول البقاء سمعه وبصره وذاكرته لم يسمع ولم يرى ولم يفهم.
الانقياء الشرفاء في مصر كثيرون، كان القليل منهم يرفعون اصواتهم منذ عقود، حتى قامت حركة كفاية في 2005 فكسرت حاجز الخوف وكان لها شرف أنها أول من إمتلك شجاعة قول "لا للتمديد ولا للتوريث"، وبعد خمس سنوات خرج الشباب الذي كان يردد هذا علي صفحات ألفيس بوك لكي يعلن طلبه في شوارع مصر التي أصبحت عشوائية ملوثة مهشمة قبيحة عبر ثلاثين عاماً من الاهمال والتجاهل والنهب المنظم.
الشرفاء كثيرون: تحية لإعلامي الشعب والبسطاء محمود سعد الذي رفض أن يقدم برنامجا مزيفاً ثاني يوم ثورة الشباب كما أراد له رؤساؤه تحت ضغوط النظام وفضل أن يجلس في بيته. تحية إلي الإعلامية القديرة مني الشاذلي التي افتتحت برنامجها في نفس الليلة بحديث شجاع تؤيد فيه زميلها ومنافسها الأول معلنة استعدادها هي الأخري للبقاء في البيت إذا استمر النظام في الضغط عليها.
تحية للإعلام المستقل الذي وقف موقفاً مشرفاً في تعاطفه مع الشعب ورفضه لن يكون أداة في يد النظام مثل صحف النظام المسماة زيفاً بالقومية وهي في الواقع صحف الرئاسة، ألم نرى فضيحة جريدة الأهرام التي زيفت صورة للرئيس مبارك لتجعله يتصدر موكب يتضمن الرئيس الأمريكي اوباما، ثم يدافع رئيس تحرير الأهرام عن هذه السقطة المهنية المخجلة بدلاً من أن يعتذر عنها، مما يدل أن هذه الصحف قد فقدت القدرة علي الخجل، وهى سمة عامة لهذا النظام كله، فهو نظام يعامل الشعب المصري بإزدراء وإحتقار واستهانة بالغة العجرفة والصلافة، وإنتخابات مجلس الشعب الأخيرة مثال علي ذلك، والاستهتار بمشاعر الشباب في جريمة مقتل الشاب الشهيد خالد سعيد الذي لم يعاقب مقترفها متل آخر، وعدم محاسبة أي انسان عن أي جرم أو فساد أو خطأ هو القاعدة، فكلنا شاهدنا الفيديو الذي يظهر فيه رجل يزور بطاقات الانتخاب فلماذا لم يحاكم هذا المزور رغم أن صورته علي اليو تيوب؟ الاجابة التي لابد سيخرج بها الناس هو أن النظام يحتقرهم ويهين وكرامتهم ولا يعمل لهم حسابا.
ولكن المفرح أن في مصر اليوم صحفاً مستقلة محترمة مثل الشروق والمصري اليوم واليوم السابع ودستور إبراهيم عيسى تو'دي رسالتها الاعلامية بمهنية ومصداقية عالية، لذلك فهناك حملة بالاميل لمقاطعة صحف النظام العتيقه المنافقة حتي تموت موتاً سريرياً ينتهي بدفنها.
تحية للصحفي القدير مجدي الجلاد الذي كان أول من يعترض علي إختفاء الحكومة بعد يومين من المظاهرات، وتحية إلي اللواء المتقاعد الذي إتصل ببرنامج العاشرة مساء ليقول: أين الحكومة؟ وكيف تترك الأمن وحده ولا يطلع أحد من المسؤلين ليناقش الشباب ويستمع إلي طلباتهم؟ تحية إلي السياسي الوطني أسامة الغزالي حرب الذي قال في نفس البرنامج أن المطلب الأسي اليوم هو أن يعلن الرئيس مبارك أنه لن يرشح نفسه في نوفمبر وأنه لا يحبذ أن يترشح إبنة جمال أيضا.
المشكلة لم تكن أبداً قلة الشرفاء والمخلصين في مصر، المشكلة كانت وما تزال هي في نظام ترهل وفشل ولكنه لا يريد أن يتقاعد مثل كل خلق الله ليفتح المجال للشباب وليعطي غيره الفرصة لإنجاز ما فشل هو في تحقيقه عبر ثلاثة عقود.
وقد استمر غياب الحكومة عن مواجهة مسيرات الشعب الغاضب ، سوى بالمواجهة الأمنية، ثلاثة أيام حتي كتابة هذا المقال، مما دفع البعض للمطالبة باقالتها، ويبدو أنها ستكون في النهاية كبش الفداء الممكن التضحية به لحماية بقاء النظام، وكأن النظام كان غائبا عن الوعي طوال الست سنوات التي كانت تحكم فيها مجموعة رجال الأعمال هذه، فلم يخطر بباله أن يغيرها، إن محاولات التستر علي النظام والقول أن "الوسطاء" بينة وبين الشعب - أي الوزراء - هم المسؤلون عن عدم تحقيق رغبة الرئيس في الانحياز إلى الفقراء هو إستمرار في أسلوب إهانة وإحتقار ذكاء الشعب المصري، فلماذا لم يقيلهم الرئيس بعد عامين أو ثلاثة من عدم تحقيقهم لهذا الانحياز المزمع وتركهم ست سنوات كاملة؟!
الانحياز للشعب في مطالبه المشروعة - حرية، كرامة، عدالة إجتماعية - وهي هتافات المظاهرات- والتغيير السياسي الأساسي: "الشعب يريد تغيير النظام" أيضاً كما طالبت الهتافات، بدءًا من عدم التمديد والتوريث وحل مجلس الشعب والحزب الوطني الذي اسس من فوق وبذلك فهو يفتقد الشرعية ، وتغيير الدستور لضمان تكوين احزاب شرعية مع منع خلط ألدين بالسياسة، بما يضع مصر علي طريق الديمقراطية الحقيقية ، هو الموقف الوطني الذي سيسجله التاريخ لمن يعلنه ويعمل به، وهو ما يستحقه بجدارة ذلك الشباب المصري الجميل الراقي الذي خرج منذ الثلاثاء الماضي ليؤكد أنه حي وقادر وساهر ففاجأ الأموات علي كراسيهم الذين طال احتقارهم له واستكبارهم عليه، وإلي ألان لا يبدو أنهم فهمواشيئا. واسلمي يا مصر.