«إخوان الأردن» ولحظة المصارحة



إهداء إلى القيادي في جماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد، الذي بعث لي يوما رسالة عبر صديق مشترك قائلا " أحبب 
حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ".
بعيدا عن لغة البيانات وقميص عثمان، وبعيداً عن التصريحات الفضائية التي تحتاج إلى لغة التحريض كي تصل الرسالة، واقترابا من اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، والجماعة تحديدا، فإن العقل الهادئ، سبيل الخلاص والخروج من عنق الزجاجة.
في مصر، كل الأشياء تمور في الساعات المقبلة، ولا يدري العقلاء كيف يرفعون صوتهم، وكيف يضبطون أعصاب النزِقين، لكنها مصر، التي مرت بأزمات أعمق خرجت منها دون أن تنزلق إلى متاهات دامية، وهذا فعلا ما نتمناه.
في الأردن، الكرة الآن في ملعب الجماعة، والقيادة المسيسة تحديدا، فقد اكتشفنا الخسارة العميقة من عدم مشاركة كافة التيارات في العملية السياسية، وخاصة مقاطعة الإخوان للانتخابات النيابية، ومثلما يقول النائب المخضرم خليل عطية، "لو كان الإخوان حاضرين في مجلس النواب، وعلى الأقل عشرة منهم، لما استطاعت الحكومة تمرير قرار رفع أسعار الكهرباء".
إذا هي المشاركة، ولا غيرها في العمل السياسي، إما الحرد، والمقاطعة، فهما حجة الضعيف الذي لا يريد أن يعمل حتى تتحسن الأوضاع، ولكن، أليس العمل السياسي الحقيقي يأتي في اللحظات الصعبة، عندما تغلق الأبواب أمام الأفق السياسي الواضح؟
في الأشهر الماضية، بقيت جماعة الإخوان محافظة على وجودها الرمزي في الشارع، ومع الحركات الشعبية، ولم تمارس ضغطا على عصب الدولة، التي استفزتها في اكثر من موقف، وقرار، لكن عقلاء الجماعة، والأوضاع الداخلية سجلتا موقفا مغايرا للجماعة لم تحاول فيه الجماعة استغلال الظروف.
الآن، الجماعة أمام أوضاع سياسية صعبة، ولا احد ينكر انعكاسات ما يحدث في مصر على بنيان جماعات الإخوان في كل الدول الأخرى، فالمرشد واحد والتوجيهات واحدة، لكن خصوصية كل بلد لا تغيب عن القراءة لتوجهات الجماعة، كما تمر الجماعة في إشكالية تنظيمية خلقها تكتل "مبادرة زمزم"، ولا ننسى أيضا تراجع الزخم في القضية السورية.
لماذا لا تفكر الجماعة جيدا بإجراء مراجعة حقيقية لمسيرة الأعوام الماضية، و حسبة رياضية حول المكاسب والخسارة من جراء مقاطعة العمل السياسي، والانتخابات النيابية تحديدا.
نحن الآن على أبواب الانتخابات البلدية، وقد قررت الجماعة الأسبوع الماضي مقاطعة هذه الانتخابات، الآن الظروف تغيرت، ووقع في مصر ما لم يكن في حسابات الجماعة، أليس من السياسة أن تعيد الجماعة النظر في قرارها مقاطعة الانتخابات البلدية، والعودة رويدا رويدا إلى العمل السياسي؟
إذا كان عقل الدولة "خُزق" وهو كذلك، ولا تفكر جديا بأهمية فتح حوار حقيقي مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع التيارات السياسية الأخرى، خاصة في هذا الظرف الدقيق، فلماذا لا تبادر القوى السياسية وبالذات جماعة الإخوان إلى فتح الباب، وعلى الأقل تركه مواربا، لحوار حقيقي بأجندة ثابتة وواضحة من أجل الخروج من الأزمات التي نمر بها، ورسم خريطة طريق حقيقية للإصلاح الشامل؟
ليس الآن وقت البيانات، والمحاججات، ولا الضرب تحت الحزام، وحتى المسيرات استنفدت أغراضها، فلماذا لا يأتي الجميع إلى كلمة سواء، وحوار وطني حقيقي، ينقذ البلاد من أية عثرات قد تقع في المقبل من الأيام لا سمح الله.
في المقطم، وعند مكتب الإرشاد، عقلاء لن يسمحوا لمصر أن تكون مصرَين، وفي الجماعة عندنا مسيسون يعرفون كيفية قراءة المرحلة جيدا، فهل نأمل خيرا في الأيام المقبلة؟
osama.rantesi@alarabalyawm.net