لا هُمْ «فلول» ولا «بلطجية».. وإذا كانت كل هذه الأعداد التي تجاوزت العشرين مليوناً ،حسب التقديرات الغربية، هي من الفلول و«البلطجية» فإنه يجب الذهاب إلى حسني مبارك وعلى الفور و«بجاهة» تضم كل الأحزاب المصرية وفي المقدمة منها «الإخوان المسلمون» في زنزانته الإنفرادية والجثوُّ بين يديه والإعتذار إليه بكل ما تحتويه قواميس الإعتذار من مفردات معبرة وواضحة ودقيقة ودعوته للعودة إلى قصر «الإتحادية» الرئاسي.. والإستعداد لمعركة الإنتخابات المقبلة التي سيفوز فيها حتماً على إعتبار أن كل هذه الملايين التي خرجت تطالب محمد مرسي بالرحيل والتنحي هي من «فلوله» ومن «بلطجيته».
لقد بقي الأخوان المسلمون ومن بينهم «إخوان» الأردن.. والإخوان في كل مكان يضعون أكفهم فوق عيونهم ويغرسون أصابعهم بعيداً في آذانهم حتى لا يروا كل الحقائق المرعبة فعلاً التي ترتبت على إستحواذ المرشد العام محمد بديع ومعه ساعده الأيمن خيرت الشاطر على السلطة والحكم وحتى لا يسمعوا النصائح الذي بقي يسديها إليهم الذين يخافون على مصر وعلى الدول العربية الأخرى والذين يتبعون ذلك المثل القائل :»صديقك من صدقك.. وليس من صدَّقك».
رفض الإخوان المسلمون كل النصائح المخلصة ،التي أسديت إليهم والتي كانت خالصة لوجه الله وهدفها مصلحة مصر والشعب المصري وبالتالي مصلحة العرب والدول العربية، وأصروا أي «الإخوان» على ركوب رؤوسهم والتصرف على أنَّ «أمراً» وصل إليهم بعد تضور نحو تسعة عقود للحكم والسلطة يجب ألاّ يفْلت منهم وألاَّ يفرطوا به ولهذا فإنهم تعاطوا مع محمد مرسي وهو تعاطى معهم أيضاً على أنه رئيسهم وحدهم وليس رئيس مصر ولا رئيس الشعب المصري ولا رئيس حتى الذين إنتخبوه وأودعوا صناديقه الإنتخابية أصواتهم وهو لا كلهم ولا نصفهم ولا حتى ربعهم من المنضوين في الحركة الإخوانية.
لقد كان على «إخوان» مصر ،الذين هم التنظيم الأم والذين يحتكرون موقع المرشد العام الذي له السمع والطاعة والذي بات في عهد محمد بديع يتصرف وكأنه الولي الفقيه علي خامنئي الذي له عصمة الأنبياء والذي لا قرار فوق قراره حتى قرار الشعب الإيراني، أن يراجعوا تجارب أنظمة الحكم العربية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن وكان عليهم قبل أنْ يتهافتوا على السلطة كتهافت الجوْعى على قصعة الأكل ،بعد طول إنتظار، أن يقرأوا قراءة متأنية التجربة الناصرية والتجربة البعثية في سوريا والعراق..وأيضاً التجربة الماركسية-اللينية «الكاريكاتورية» المضحكة في اليمن الجنوبي ليتجنبوا الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء الذين سبقوهم وعلى أساس الحديث النبوي الشريف :»الشقيُّ من إتعظ بنفسه والسعيد من إتعظ بغيره».
ثم ولقد كان على «الإخوان» في الدول العربية الأخرى التي لهم وجود فعلي فيها أنْ يبادروا إلى وقفة نقد ذاتي حقيقية عند هذا المنعطف التاريخي التي إنتهت إليهم حركتهم لمراجعة مسيرتهم كلها ولإلتقاط الحلقة الرئيسية في سلسلة «الربيع العربي» الذي ظنوا خطأً وتحت ضغط الأوهام التي غدت تستبد بهم أنه ربيعهم ولتنحية شعار :»إننا قادمون» الذي بادروا إلى رفعه منذ وصول حركة «حماس» التي يعتبرونها حركتهم وحدهم وليس حركة الشعب الفلسطيني وإستبداله بأحد الشعارات الواقعية التي لا تحلق في الأوهام والتي تتعاطى مع الواقع كواقع وتتعامل مع الآخرين على أساس التكامل وليس على أساس الإقصاء وهذا هو ما جعل التجربة الإخوانية المصرية تصل إلى هذه النهاية المأساوية.
لم يستمع لا «إخوان» مصر ولا «إخوان» الأردن ولا الإخوان في كل مكان إلى من نصحوهم بل وهم تبعوا الأكثر طفولية و»غوغائية» وتطرفاً من قيادييهم الذين بقوا يتصرفون حتى إزاء القضايا المصيرية والخطيرة بـ»أميةٍ» سياسية لا تليق بحركة تصر على أنها تاريخية وأن المستقبل لها دون غيرها وأنها سترث الأرض ومن عليها ولهذا فإن هذه النهاية المأساوية أصبحت نهايتهم ولهذا فإنه لم يعد الندم مجدياً بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وبعدما تبخر حلم العمر بعد خمسة وثمانين عاماً من المكابدة والسباحة ضد التيار وبعد تجربة طويلة مع السجون والمعتقلات.