حب استثنائي

حب استثنائي

يسار خصاونة

بعد أيام قليلة تجتمع الأسرة الإسلامية في وضع استثنائي حول طاولة واحدة لتناول طعام الإفطار، تتكرر الصورة الاستثنائية ثلاثين يوماً بعدها تعود الأسر الإسلامية مشتتة، ممزقة، كل فرد يحمل صحنه بيده مبتعداً عن إخوته، متخذاً زاوية خاصة به في البيت، وبذلك تعود الصورة إلى ما كانت عليه من وضع طبيعي جداً ، وهي مرهقة من الوضع الاستثنائي، فالنفس البشرية لا تستهويها الصور الاستثنائية، والأوضاع الاستثنائية، إنها أسيرة ما تعودت عليه، راغبة فيما تألفه، منقادة إلى سلوك جمعي يُفقدها هويتها وبصمتها.

بعد أيام قليلة تتكوم الأجساد على مقاعدها حول طاولة الأسرة بعد أن خلعت أرواحها، تنظر العيون المحنطة إلى العيون المحنطة نظرات اتهام، وكأنها تريد أن تتأكد من فعل الصيام، وحين تلتقي العيون بالعيون تُصاب بالدهشة فهي لم تر بعضها منذ أحد عشر شهراً، وبالتأكيد قد نسيت الملامح السابقة، تحاول أن تتذكر، يستمر التحديق شهراً كاملاً، لكن الذاكرة لا تُسعف على التذكر، تُغادر العيون طاولة الأسرة لتغيب أحد عشر شهراً، لتعود بعدها إلى نفس الطاولة ونفس الجلسة ونفس التحديق بالعيون المحنطة ونعاودها نفس محاولات التذكر.

لقاءات رمضان سوف تُصيبنا بحالة الانفصام، فنحن الجالسون حول طاولة الأسرة غيرُنا الموزعون على أحد عشر شهراً، وإذا كنا قد خلعنا أرواحنا قبل الجلوس فسوف تضيق بنا بعد فترة أجسادنا، ولا بد لنا من خلعها، عندها سنجلس حول طاولة الأسرة دون ملامح، لن تكون هناك عيون محنطة تُحدق في عيون محنطة، لن يكون اتهام بالصيام أو مباركة بالإفطار.
الخوف الخوف أن لا تكون هناك طاولة الأسرة في رمضان القادم.