وقع حربٌ في بغداد ..!

وقع حربٌ في بغداد ..!
بقلم : صالح ابراهيم القلاب
في سبعينيات القرن المنصرم ... كانت جمالية الحياة الاجتماية ببساطتها واريحيتها رغم بعض الصعوبات بعيدة عن تعقيدات وكسل وترهل التكنلوجيا الحديثة ... التي جعلت من الفتية والفتيات في عصرنا هذا مجرد مستهلكين لمنتجات التكنلوجيا الحديثة في مجال العاب التسلية الاكترونية عن طريق برامج تسلية جلها بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وعاداتنا واعرافنا والبعض منها يرسخ لدى النشىء عادات سيئة سواء في ترسيخ ثقافة العنف او الانحلال الخلقي والاجتماعي .
في عقد السبعينات ومطلع الثمانين كانت الالعاب التي يتسلى بها الفتية والفتيات تنتج محليا وبايدي الصبايا والصبية سواء في تصميمها او تصنيعها او الغاية منها او دلالاتها الاجتماعية والثقافية وكثير منها كانت العاباً جماعية شكلت عقلا جمعيا ثقافيا معبرا عن علاقة وتفاعل ابناء المجتمع انذاك مع ما يدور حولهم من احداث .
اذكر لعبة كانت منتشرة وذائعة الصيت تلك الايام كثيرا ما كنا نمارسها فتية واحيانا فتيات ايضا وكان يطلق عليها اسم ...( وقع حربٌ في ... ) وبعد حرف الجر كان يذكر اسم عاصمة او دولة عربية كان نقول ... وقع حرب في تونس او السودان او ليبيا او بيروت او دمشق ... كثيرة هي الاسماء .
كان (خريوش) ذلك الفتى الجهم منفوش الشعر ضخم الجثة عريض المنكبين جهوري الصوت باختصار.. ( اله وهرة ) ...يقوم برسم دائرة على الارض بواسطة مسمار او قطعة خشب ثم يقسمها الى قطاعات على عدد اللاعبين المتوفرين ويكتب داخل كل قطاع اسم دولة او مدينة عربية وكل لاعب يقف في قطاع ... اما خريوش فيقف بعيدا خارج الدائرة تمهيدا لاطلاق صرخة البداية ... عند استكمال الاستعدادات يصرخ بصوته الجهوري : وقع حربٌ في بغداد ...فترى الصبية يركضون هنا وهناك مبتعدين عن الدائرة باستثناء ذلك الواقف في القطاع المخصص لبغداد الذي يتسمر في مكانه ريثما يقوم خريوش باطلاق صرخة التوقف وعندها يبدأ ذلك الواقف داخل الدائرة بالتوجه لكل لاعب قائلا له اصلك بعشرين او عشرة او ثلاثين خطوة حسب واقع الحال ويبدأ بالمشي تجاه اللاعب وعد الخطى .... ثم يقوم خريوش باعادة اللعبة مرة اخرى ... وقع حرب في تونس ... في طرابلس ...في مصر ... في صنعاء ... في دمشق ... وهكذا ... حتى يمضي الوقت المخصص للعبة او حتى يمل اللاعبون .
اذكر لعبة جماعية اخرى كانت تسمى ... حاكم ... جلاد .. وفيها يقوم كل لاعب بسحب ورقة كتب داخلها اسم او صفة مثل .. حاكم ... جلاد ... مفتش ...لص وعند فتح الاوراق يقوم الذي حصل على لقب الجلاد مناديا ... اين المفتش ... فيجيب ... المفتش ... حضرتي ... فيقول له : اخرج لصك ... وعندها على المفتش ان (يحزر ) من هو اللص فاذا عرفه نال اللص العقوبة التي يحكم بها الحاكم على يد الجلاد وبخلاف ذلك يتلقى المفتش العقوبة من الجلاد وبحكم الحاكم عن تقصيره باكتشاف اللص .
انقرضت مثل هذه الالعاب وانحسرت امام البرمجيات والحواسيب والهواتف النقالة ولكن ما اشبه اليوم بالبارحة ... ما زلنا رغم عزو الشيب لرؤوسنا نذكرها ... هي من صنع ايدينا ومن بنات افكارنا ومن واقعنا سواء اكان حلوا او مرا .
المنتج المحلي سواء اكان ثقافي ام اجتماعي او سياسي او (فلكلوري ) ... على الاغلب يشكل عقلا جمعيا للامة ويورث لانه يبقى مخزون في الذاكرة البشرية وهي ابقى واقوى من ذاكرة الحواسيب والاقراص المدمجة .
بالمناسبة ... الموضوع ذكرني بمقولة للفنان العربي ... نهاد قلعي كان يرددها في المسلسل الدرامي المعروف (صح النوم ..) ....( اذا اردنا ان نعرف ماذا في ايطاليا يجب علينا ان نعرف ماذا في البرازيل ... واذا اردنا ان نعرف ماذا في البرازيل يجب ان نعرف ماذا في ايطاليا )...نعم الموضوع متعلق بالارادة ... اعتقد انه اذا اردنا ان نعرف ... فانه يجب ان نعرف ..