مِنْ فَوْق...!؟
مِنْ فَوْق...؟!
جملة بسيطة في حروفها، و قليلة جدّاً بعدد كلماتها، و شديدة و ظالمة في معانيها، وليس لها لون أو طعم أو رائحة إلّا لدى أولئك المضَلِّلين، أولئك المستفيدين، والذين لم يقدموا أدنى رأس مال لهذا البلد الطَّاهر الشّريف، فأضحت قوتاً لهم، و حيلة سهلة يُسكتون بها أفواه البسطاء العظماء بوجودهم، والمتفانيين بعطائهم، و ليستلبوا حقوقهم، و حقوق أبنائهم المستحقة، ليُهدونها لأنفسهم الضعيفة و ليُواروا بها سوءة أبنائهم، و فشلهم بكل شيء، و عدم استحقاقهم حتى لأدنى و أحقر الجزاء.
إنك تجد نفسك أمام سلعة أو لنقل "موضة" يستخدمها أكثر المستنفذين في الوظائف الحكومية؛ و بخاصة أصحاب القرار منهم لتكميم الأفواه صاحبة الحجة و الحق، و ترهيبهم للتنازل مع الشكر عن كل حقوقهم، فمثلاً؛ عندما يحرجهم أي مواطن بأي أمر يتعلق بحقوقه و حقوق أهله، كأن يقول لهم: لماذا فلان حصل على بعثة دراسية في الطب أو الهندسة و غيرها و ابني أعلى منه في الدرجات و لم يحصل على شيء، فيكون الجواب : هذا من فوق...، أو لماذا فلان أصبح مديراً و أنا أكفأ منه و أقدم، من فوق...، أو لماذا عوقبت و لم يعاقب فلان و الخطأ واحد وفي نفس الزمان و المكان، من فوق أو ...، أو ...، و تتنوّع الأسئلة في شارعنا و الإجابة واحدة، من فوق...، و الأَوْلَى أن نقول تساؤلات... لا أسئلة...، فقد أصبحت ظاهرة مقيتة، بل سلاح فاعل في وجه كل مستحق و مبدع و معطاء، فقط لأنه قد وُضِعَ له سقفٌ، و اتُّفِقَ عليه في وضح النهار، ولا نقول في جنح الظّلام، و الذي لا يدل إلّا على الاستهتار في عقل مواطننا، و التّقليل من قيمته و كرامته، و بالمقابل؛ أشمّ رائحة الإساءة من هذا الجواب لرموز عالية نظيفة و شريفة، و لا يمكن لها أن تتدخل في أمور لا ترقى لمكانتها أو تناسب حيادها كونها للجميع لا لفئة متسولة و تقتات على المصلحة و التجارة بما هو حق، و يجب أن يكون مقدساً لا مدنّساً من طغمة ولدت في بيوت لا تعرف على أقل تقدير إجراءات الغُسْل عن الجنابة، هذا في حال أنّهم لم ينظروا إليها كضربٍ من ضروب التخلف أو العيب.
إنّه من حق المواطن الأردني أن يعرف من هو هذا (اللي فوق)، و إن يتم تعريفه له نظريّاً و إجرائيّاً، و أن يحصوه له، فكم عددهم ذلك الذي فوق؟ و فوق ماذا هو؟ هل هو فوق القانون، أم فوق السرير، أم فوق عشرة بيضات مثلاً؟ و هل يتدحرج؟ و إن كان يتدحرج، هل يتدحرج من فوق إلى أسفل أم من أسفل إلى فوق؟ و هل هو من طرح الحيلة و الخيال أم حقيقة فنعيشها عن رضا و استذلال...، نريد أن نعرف لتطمئن قلوبنا، و لكي لا نشربه كما شربنا (الغولة) و (أبو شاكوش)، و غيرهما الكثير مما خبرناه، و خشيناه دون أن نعرفه، و (البورصة)، و الأسهم، و (إنفلونزا الخنازير)، و أزمة مياه الصيف ليست ببعيد، و غيرها من الخوازيق بعد... .
ليس هناك فوق في هذا الوطن, سوى الله ثمّ الوطن ثمّ الملك، فالله تعالى حرم الظلم على نفسه، و الوطن لا يحترم سوى من يَصْدِقُه، و الملك أبٌ للجميع لا يحابي أحداً من أبنائه على غيره، و هو أعلى و اجلّ من أن يُقْحِم نفسه في توظيفِ أو ترقيةِ معلّمٍ أو ابتعاث طالب ثانوية ، فهناك سلطات دولة لإدارة مثل تلك الأمور.
إذن؛ من هو الذي فوق؟ و لمعرفته و تجريده؛ يجب على كل مواطن غيور أن يطالب بحقه، و أن لا يجبن أمام تافه مستغل لطيبة أو جهل في قانون، فارفع صوتك بالحق، و لا تيأس ولا تتخذ (الحيط) ستراً لتخادع به الله عز وجل و تقول يارب الستر، فلتعلم أن ذلك المستنفذ هو أضعف و أجبن في حال لم تنطلِ عليك و على حقوقك حيلته، و بالتالي؛ أنت لم تخدم نفسك فقط؛ و إنما خدمت أمة بالقضاء على هؤلاء المرتزقة آكلو حقوق البشر بالتّضليل و الحيلة، و إبطال جُرأتهم على الحقوق ببث مؤامرة (من فوق...) و منعهم من الحديث باسم رموز هذا الوطن، و تخويف و ترويع البسطاء بأسمائهم، و شخوصهم الشّريفة العفيفة، و هم لا يعلمون أو يسمحون لهم بذلك، و هو مالا يشك به كلّ أردنيّ أو أردنيّة.
و أخيراً؛ إذا لم يكن من الحق (أو صار نِصِيْب...) أن يعرف المواطن ذلك الذي فوق...، أو الإفصاح عن شخصه الهزيل في الدّنيا؛ فإننا نطلب الله أن لا يحرمنا لذة النظر إليه في اليوم الموعود، و هو فوق و في أعلى مكان في النار، فلا ينافسه وقتئذ أحد أو يحسده (لا من تحت و لا من فوق...).
و إلى ذلك الحين، ليس لنا سوى الصّبر و الدعاء لتبرير عجزنا و جبننا و نحسبه من خشية الله، أو أن نغنّي لتلك الوحوش فوقنا، و نطربها لكي لا تقسوا علينا، وذلك بأغنية صُنِعَتْ لأفراحنا، و أُجيز مؤخراً استخدامها في أحزاننا و أتراحنا من باب التخفيف على الذين (تحت) من الأمّة، ومطلعها ومتنها وعجزها واحد (قُوْلُوْا معي...) :
يالّلي فوق يالّلي فوق...................إرحم حبيبك يالّلي فوق
يالّلي فوق يالّلي فوق...................إرحم حبيبك يالّلي فوق