أفول مرحلة الإسلام السياسي
المرحلة الثانية من الثورة المصرية التي انطلقت الآن، ليست، حسب، ضد رئيس ونظام، بل هي ضد نهج وتيار؛ نهج اسباغ الشرعية الدينية على الثورة المضادة، وتجديد الأنظمة الكمبرادورية والرجعية باسم الاسلام، وتيار الإسلام السياسي بصناديقه الانتخابية وفضائياته وظلاميته وجماهيره الطائفية والمذهبية ومليشياته التكفيرية الإرهابية.
ففي صفوف كل الشعوب العربية التي تبحث، بالفعل، عن مسار مختلف ومستقبل زاهر، تكونت كتل جماهيرية سياسية متزايدة الوعي والقوة، تتجه إلى إعادة بناء حركات وطنية تحررية تنموية مدنية، تستعيد الشعارات الصحيحة للنهضة الحقيقية، الاستقلال والمقاومة والكرامة الوطنية والوحدة والاقتصاد العادل والديموقراطية الاجتماعية والحياة المدنية والتعددية الثقافية والسياسية، متجاوزة الشعارات المضللة والفارغة لحرية "الثورات" المتأمركة.
لم تعصف الضربة القاصمة بالإخوان المسلمين ، من قبل أعدائهم، بل من انتصار فرعهم المصري في الانتخابات الرئاسية؛ هنا، سقطت عناصر خطابهم السياسي تباعا: فقد جدّد محمد مرسي، رئيس مصر ـ ومصر جوهرة الحركة الإخوانية كلها ـ الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد مع العدوّ الإسرائيلي، وبادر إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، ولعب، لدى تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة ، دور الوسيط كما كان حسني مبارك، وأكثر.
جدّد مرسي للسياسات الاقتصادية ـ الاجتماعية المباركية بالكامل، ومنح " الإخوان"، الشرعيةَ الدينية للخصخصة وحرية التجارة والبزنس ومصالح الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين، وركع أمام صندوق النقد والبنك الدوليين، وبدلا من حل أزمة المالية العامة بالإجراءات الاجتماعية الثورية، لجأ الحكم الإخواني إلى الاستدانة، بوتيرة تجاوزت وتائر الاستدانة السابقة ( 12 مليار دولار في 12 شهرا).
تبيّن أن ما سُمّي ببرنامج " النهضة" لم يكن سوى دعاية بلا مضمون؛ فليس لدى " الإخوان"، فعليا، أي نهج تنموي وطني؛ فالتنمية، مفهوما وسياقا، هي خطة معادية للرأسمالية الكمبرادورية وللمؤسسات المالية الامبريالية ولاقتصاد السوق المعولَم الذي ترعاه الولايات المتحدة. تقوم التنمية على ثلاث ركائز هي (1) أولوية دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، بما في ذلك السيطرة الوطنية على الموارد والاستثمارات وحركة رأس المال وعلى السوق ( الحماية الجمركية)، و(2) أولوية التمويل المحلي من خلال السيطرة على المصارف وسياسات الإقراض وأسعار الفائدة، و(3) الديموقراطية الاجتماعية بما في ذلك الضريبة التصاعدية في القطاعات غير الانتاجية وتوجيه الموارد للخدمات العامة.. الخ.
ومن الواضح أن هذه الاتجاهات ليست في وارد الفكر الاقتصادي للإخوان، ولا هي تعبر عن مصالحهم، ولا تتطابق مع تحالفاتهم السياسية مع الغرب والخليج.
وسط كل ذلك، أظهر " الإخوان" أشكالا وألوانا من العجز والتخبط وضيق الأفق وانعدام القدرة في الإدارة العامة. وهي نتيجة حتمية لتكوينهم الثقافي المنغلق والرجعي، مثلما أظهروا ميولا استبدادية ومليشياوية متوقعة.
سقطت تجربة حكم "الإخوان" وحلفائهم الإسلاميين في المركز المصري، وطنيا وسياسيا وأمنيا وإداريا بينما سقط إخوان سورية وحلفاؤهم التكفيريون في وحل الإرهاب والتخريب .
الصراع الآن محتدم، وقد أخرجته ثورة مصر الثانية من لبوسه الطائفي والمذهبي، ليظهر، من ميدان التحرير إلى جبهات القتال في سورية، كما هو فعلا، صراعا استراتيجيا بين خندقين، خندق التحرر الوطني وخندق الرجعية