القضاء الأردني إلى أين!!!


مؤسسة القضاء في بلادنا هي الوحيدة بين المؤسسات التي ظهر التراجع بها بوضوح في هذه الأيام ففي الثلاثينات والاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي شهدت بلادنا نهضة قضائية على يد قضاة افذاذ لا زال المواطن الأردني يتغنى بعدالتهم ونزاهتهم وشفافيتهم, الدستور نص على استقلاليتهم وحافظوا على تلك الا ستقلالية ولم يتأثروا بمسؤول كائن من كان علما بأن المسؤولين آنذاك لم يحاولوا العبث باستقلالية القضاء كما يجري اليوم. كان القضاء والمحاماة في خندق واحد يفرق بينهما بالاسم فيشار الى المحاماة بالقضاء الواقف والى القضاء بالجالس وكلاهما اعلام نعتقد ان مثلهم اصبح قطعا نادرا فالقضاء كان الرجال المرحومين على شاكلة ابراهيم هاشم وعلي مسمار وموسى الساكت وعبد الرحيم الواكد وفوزان الروسان ونجيب الرشدان وجائت بعدهم نخب يعتز بها الاردنيون كل الاعتزاز.

أما في هذه الايام وبكل اسف ظهر التراجع بهذا المرفق الحساس خاصة في قياداته وعلى سبيل المثال لا الحصر محكمة العدل العليا التي اصبحت بقراراتها تبحث عن الشكل قبل الجوهر حيث تجد قضاتها لا يهتمون بمضمون الحق وجوهره بقدر ما يبحثون عن خطأ شكلي ليضيعوا الحق على اصحابه او ليكرسوا مشروعية قرار اداري عيبه اواضح كالشمس. وبالطبع معظم القضايا التي تنظرها محكمة العدل العليا تتعلق بقرارات الادارة كمجلس الوزراء او الوزراء او المحافظين وكأن الطعن بقراراتهم امر محظور لا يجوز الاقتراب منه وقد اصبح يطلق على هذه المحكمة اسم "محكمة الرد العليا بدل محكمة العدل العليا" وعندما جرت التعديلات الدستورية الاخيرة واقر وجود المحكمة الدستورية تقرر ان تكون محكمة العدل العليا على درجتين تفاءل المواطن رغم ان الدستور اعطى فرصة لذلك مدة ثلاث سنوات اوشكت على النهاية دون ان نرى بصيص امل في التقدم او في التطور أو حتى بظهور المحكمة الجديدة ولا يفوتني بهذه المناسبة ان اشير الى المؤتمرات للقضاة في البحر الميت او في فنادق فارهه والتي تقام تاره بدعم من الامريكان وبدعم من شركات التأمين تارة اخرى مما يثير الشك في النفوس عند حصول القضايا بين المواطنين والمؤسسات العامة أو بينهم وبين شركات التأمين التي تعقد المؤتمرات للقضاء على حسابها وفي الفنادق كما ذكرت.

وعودة للموضوع أصبحت حصانة كبار القضاة رهينة لمزاجية كبار المسؤولين فكم من رئيس لهذه السلطة اقصي عن منصبه بدون مسوغ قانوني بل مراعاة لخاطر وزير او رئيس او متنفذ ويكفينا ان نعرف ان آخر ثلاث رؤوساء لهذه السلطة العتيده اقصيوا عن مناصبهم لتمسكهم بالعدالة ولتمسكهم بقاعدة لا يخشون في الحق لومة لائم, كالقضاة الأفاضل محمد صامد الرقاد واسماعيل العمري ومحمد المحاميد الذين يتسآءل الناس عن سبب مغادرتهم الى منازلهم وتناسى المسؤولين بصماتهم في ساحة العدالة وحرموهم من اي منصب آخر او حتى من حفل تكريم لهم ولتاريخهم وكذلك الامر ينسحب على قضاة اجلاء تتذكرهم حين تسمع قول الله تعالى "واذا الموؤوده سؤلت بأي ذنب قتلت" وعلى سبيل المثال نستذكر هنا عبد الله السلمان وعبد الرحمن البنا ومحمود الرشدان وآخرين لم يعرف عنهم الا انهم قضاة اجلاء اقصيوا وهم في قمة عطائهم ولم يسجل بتاريخهم انهم جانبوا الحق تحت ضغط كغيرهم من المهرولين نحو المناصب على حساب الفتاوى بكل المناسبات.

وخلاصة القول ما دعاني للكتابة بهذا الموضوع هي الوقفة البطولية للقضاة المصريين الذين لم يخضعوا لرغبات رئيس او وزير بل خضعوا لسلطان ضميرهم الحي مدعومين بقانون اسقتلال القضاء الذي يليق به ويكفي القضاة المصريين علواً ان رئيس جمهوريتهم يشكوهم للشعب في آخر خطاب له.
حمى الله الاردن والاردنيين واعادهم للتمسك بالقاعدة الفقهية ان العدل اساس الحكم وان غدا لناظره قريب.