لماذا يعاقَب قطاع الاتصالات؟


ما تقوم به الحكومة حاليا من محاولة فرض ضرائب أعلى وتحصيل ضرائب ورسوم أكثر من شركات الاتصالات من رفع في الضرائب خطر جدا، وله أبعاد سالبة كثيرة يجب تنبيه الحكومة إليها، وإلا فالقادم أعظم وأكثر ضررا بالاقتصاد مما تعتقد الحكومة، وبشكل يتجاوز البديهيات والحسابات الأولية التي تتعامل الحكومة من خلالها مع الاقتصاد الوطني ومكوناته.

بداية لا بد من التنويه إلى أن قطاع الاتصالات الذي تهيمن عليه شركات الاتصالات الخلوية، هو أكثر القطاعات الإنتاجية في الأردن منافسة وتنافسية، فالمنافسة فيه أدت إلى تدني أسعار الخدمات المقدمة وتحسين جودتها، كما أن تنافسيته (وهي أمر يختلف عن المنافسة) مرتفعة لما يقدمه من قيمة مضافة عالية وبكفاءة مرتفعة تفوق بكثير ما تقدمه قطاعات إنتاجية أخرى.

كما يعتبر هذا القطاع ركيزة ووسيلة لتنمية القطاعات الأخرى كافة، حيث يوفر بنية تحتية إلكترونية لقيام أنواع الصناعات والخدمات كافة وتمكينها من المنافسة والوصول إلى الأسواق، وبهذا فإن أهميته لا تكمن فقط في أنه قطاع اتصال بين مرسل ومستمع بل هو أداة لتمكين وإنجاز الأعمال مما يزيد من أهمية هذا القطاع الحيوي.
أما بالنسبة للحكومة فهو لا يتعدى كونه مصدر دخل مرتفع جرت العادة على فرض نسب ضرائب أعلى عليه لأنه ناجح يبيع ويربح، فقد ورّدت شركات الاتصالات الثلاث للخزينة 578 مليون دينار في 2012 (264 مليون دينار تحصيل ضريبي، و 150 مليون دينار رسوم اقتناء رخص الجيل الثالث، و164 مليون دينار كضرائب مبيعات)، كما أنه من أوائل القطاعات التي خضعت لرفع سعر الكهرباء فارتفعت الكلفة عليه بنسبة 39%، وحسب عملية حسابية بسيطة تقدمت بها ورقة "إنتاج"، فإن شركات القطاع تدفع نصف دخلها تقريبا للحكومة على شكل ضرائب.
بالإضافة تولد هذه الشركات دخل للحكومة على شكل رسوم استيراد ورسوم معاملات وتملك، وطوابع، وضرائب دخل الموظفين، حيث يعتبر القطاع من أفضل المشغلين في المملكة من حيث الرواتب والامتيازات، كما أن الشركات تدفع رسوم تجديد الرخص كل 15 عاما وتعتبر من كبرى المشاركين في أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات، ولولا هذه الشركات لما نهض في الأردن قطاعات مثل قطاع الدعاية والإعلام. أي أن مجموع ما يولده القطاع من دخل للحكومة بشكل مباشر وغير مباشر يصل إلى مليار دولار تقريبا.

والآن تريد الحكومة أن تزيد من الضرائب على هذا القطاع الذي يخلق قيمة مضافة تحسده عليها القطاعات كافة ويقود من خلال حنكته وتقدمه النهضة الإنتاجية في الأردن؟ لماذا يستهدف القطاع؟ هل الربحية والربح ممنوعان أم شيء يعاقب المنتج عليه؟ هل يجب أن تتولد ثرواتنا في القطاع العام فقط على شكل فساد وعطايا وانتهاز فرص وليس من خلال العمل الحر الشريف في القطاع الخاص؟ وهل لأن قطاع الاتصالات جاذب للمستثمرين الأجانب لا نريد لهم (بنوع من الحس قصير النظر) أن يربحوا شيئا؟ إن كان هذا الهدف فإنه سيؤدي حتما إلى فرار من بقي من المستثمرين وخسائر لا نستطيع تحملها. أم أن السبب هو كما درجت العادة في الدول قليلة الكفاءة في التحصيل الضريبي على وضع ضرائب أكثر على من يدفعون الضريبة لتغطية العجز الناجم عن عدم كفاءة التحصيل، أي أن من يدفع أكثر سيدفع أكثر وأكثر بينما يستمر من يتهرب بعدم الدفع. لماذا يعاقب القطاع الأكثر منافسة وتنافسية في الأردن؟